الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف :

الحمد لله العلي العظيم ، السميع البصير ، الحكيم الكريم ، اللطيف الخبير ، ذي النعم السوابغ ، والفضل الواسع ، والحجج البوالغ ، تعالى ربنا عن صفات المحدودين ، وتقدس عن شبه المخلوقين ، وتنزه عن مقالة المعطلين ، علا ربنا فكان فوق سبع سماواته عاليا ، ثم على عرشه استوى ، يعلم السر وأخفى ، ويسمع الكلام والنجوى ، لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، ولا في لجج البحار ، ولا في الهواء .

والحمد لله أنزل القرآن بعلمه ، وأنشأ خلق الإنسان من تراب بيده ، ثم كونه بكلمته ، واصطفى رسولهإبراهيم (عليه السلام) بخلته ، ونادى كليمه موسى - صلوات الله عليه - فقربه نجيا ، وكلمه تكليما ، وأمر نبيه نوحا - عليه السلام - بصنعة الفلك على عينه ، وخبرنا أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا [ ص: 8 ] بعلمه كما أعلمنا أن كل شيء هالك إلا وجهه ، وحذر عباده نفسه التي لا تشبه أنفس المخلوقين.

(أحمده) على ما من علي من الإيمان ، بجميع صفات ربي - عز وجل - ، التي وصف بها نفسه في محكم تنزيله ، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - حمد شاكر لنعمائه ، التي لا يحصيها أحد سواه .

(وأشكره) شكر مقر مصدق بحسن آلائه ، التي لا يقف على كثرتها غيره - عز وجل - ، وأؤمن به إيمان معترف بوحدانيته ، راغب في جزيل ثوابه ، وعظيم ذخره ، بفضله وكرمه وجوده ، راهب وجل خائف من أليم عقابه ؛ لكثرة ذنوبه وخطاياه وحوباته .

(وأشهد) أن لا إله إلا الله ، إلها واحدا ، فردا صمدا ، قاهرا قادرا ، رؤوفا رحيما ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولا شريكا في ملكه ، العدل في قضائه ، الحكيم في فعاله ، القائم على خلقه بالقسط ، الممتن على المؤمنين بفضله ، بذل لهم الإحسان ، وزين في قلوبهم الإيمان ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، وأنزل على نبيه الفرقان ، علم القرآن ، فتمت نعماء ربنا - جل وعلا - وعظمت آلاؤه على المطيعين له ، فربنا - جل ثناؤه - المعبود موجودا ، والمحمود ممجدا .

(وأشهد) أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسوله المصطفى ، ونبيه المرتضى ، اختاره الله لرسالته ، ومستودع أمانته ، فجعله خاتم النبيين ، وخير خلق رب العالمين ، أرسله بالهدى ، ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

بعثه بالكتاب المسطور ، في اللوح المحفوظ ، فبلغ عن الله - عز وجل - حقائق الرسالة ، وأنقذ به أمته من الردى والضلالة ، قام بأمر الله تعالى بما استرعاه ربه من حقه ، واستحفظه من تنزيله ، حتى قبضه الله إلى كرامته ، ومنزلة أهل ولايته ، [ ص: 9 ] الذين رضي أعمالهم حميدا ، رضيا سعيدا ، كما سبق له من السعادة في اللوح المحفوظ ، والإمام المبين ، قبل أن ينشئ الله نسمته ، فعليه - صلوات الله وسلامه - حيا محمودا ، وميتا مفقودا ، وأفضل صلاة وأنماها ، وأزكاها وأطيبها ، وأبقى الله في العالمين محبته ، وفي المقربين مودته ، وجعل في أعلى عليين درجته ، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية