الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                8 [ ص: 3 ] 2 - كتاب الإيمان

                                [ ص: 4 ] [ ص: 5 ] فصل

                                قال البخاري :

                                الإيمان قول وفعل .

                                التالي السابق


                                قال زين الدين ابن رجب - رحمه الله - :

                                وأكثر العلماء قالوا : هو قول وعمل . وهذا كله إجماع من السلف وعلماء أهل الحديث .

                                وقد حكى الشافعي إجماع الصحابة والتابعين عليه ، وحكى أبو ثور الإجماع عليه أيضا .

                                وقال الأوزاعي : كان من مضى ممن سلف لا يفرقون بين الإيمان والعمل . وحكاه غير واحد من سلف العلماء عن أهل السنة والجماعة .

                                وممن حكى ذلك عن أهل السنة والجماعة : الفضيل بن عياض ، ووكيع بن الجراح .

                                وممن روي عنه أن الإيمان قول وعمل : الحسن ، وسعيد بن جبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور وغيرهم .

                                حتى قال كثير منهم : إن الرقبة المؤمنة لا تجزئ في الكفارة حتى يوجد منها الإقرار وهو الصلاة والصيام ، منهم الشعبي ، والنخعي ، وأحمد في رواية .

                                وخالف في ذلك طوائف من علماء أهل الكوفة والبصرة وغيرهم ، وأخرجوا الأعمال من الإيمان وقالوا : الإيمان : المعرفة مع القول .

                                وحدث بعدهم من يقول : الإيمان : المعرفة خاصة ، ومن يقول : الإيمان : [ ص: 6 ] القول خاصة .

                                والبخاري عبر عنه بأنه : قول وفعل .

                                والفعل من الناس من يقول : هو مرادف للعمل ، ومنهم من يقول : هو أعم من العمل .

                                فمن هؤلاء من قال : الفعل يدخل فيه القول وعمل الجوارح ، والعمل لا يدخل فيه القول عند الإطلاق .

                                ويشهد لهذا قول عبيد بن عمير : ليس الإيمان بالتمني ، ولكن الإيمان قول يفعل ، وعمل يعمل .

                                خرجه الخلال .

                                ومنهم من قال : العمل ما يحتاج إلى علاج ومشقة ، والفعل أعم من ذلك .

                                ومنهم من قال : العمل ما يحصل منه تأثير في المعمول كعمل الطين آجرا ، والفعل أعم من ذلك .

                                ومنهم من قال : العمل أشرف من الفعل ، فلا يطلق العمل إلا على ما فيه شرف ورفعة ، بخلاف الفعل ، فإن مقلوب " عمل " لمع ، ومعناه ظهر وأشرف .

                                وهذا فيه نظر ; فإن عمل السيئات يسمى أعمالا كما قال تعالى : من يعمل سوءا يجز به وقال : من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها

                                ولو قيل عكس هذا لكان متوجها ; فإن الله تعالى إنما يضيف إلى نفسه الفعل كقوله تعالى : وتبين لكم كيف فعلنا بهم ألم تر كيف فعل ربك بعاد ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل [ ص: 7 ] إن الله يفعل ما يشاء

                                وإنما أضاف العمل إلى يديه كما قال : أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما

                                وليس المراد هنا الصفة الذاتية بغير إشكال وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم عليه السلام .

                                واشتق سبحانه لنفسه اسما من الفعل دون العمل ، قال تعالى إن ربك فعال لما يريد




                                الخدمات العلمية