الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ص: 55 ] فصل :

القسم الثاني : أهل الجهل والظلم الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به ، والظلم باتباع أهوائهم ، الذين قال الله تعالى فيهم : ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) .

وهؤلاء قسمان :

أحدهما : الذين يحسبون أنهم على علم وهدى وهم أهل جهل وضلال ، فهؤلاء أهل الجهل المركب الذين يجهلون الحق ويعادونه ويعادون أهله ، وينصرون الباطل ويوالونه ويوالون أهله وهم يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ، فهم لاعتقادهم الشيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، فهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السراب الذي يخون صاحبه أحوج ما هو إليه ، ولم يقتصر على مجرد الخيبة والحرمان كما هو حال من أم السراب فلم يجده ماء بل انضاف إلى ذلك أنه وجد عنده أحكم الحاكمين وأعدل العادلين سبحانه وتعالى فحسب له ما عنده [ ص: 56 ] من العلم والعمل ، ووفاه إياه بمثاقيل الذر ، وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه فجعله هباء منثورا : إذ لم يكن خالصا لوجهه ، ولا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علوما نافعة كذلك هباء منثورا ، فصارت أعماله وعلومه حسرات عليه .

والسراب ما يرى في الفلوات المنبسطة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري . والقيعة والقاع هو : المنبسط من الأرض الذي لا جبل فيه ولا واد فشبه علوم من لم يأخذ علومه من الوحي وأعماله ، بسراب يراه المسافر في شدة الحر فيؤمه فيخيب ظنه ويجده نارا تلظى ، فهكذا علوم أهل الباطل وأعمالهم إذا حشر الناس واشتد بهم العطش بدت لهم كالسراب فيحسبونه ماء فإذا أتوه وجدوا الله عنده فأخذتهم زبانية العذاب فعتلوهم إلى نار الجحيم فسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ، وذلك الماء الذي سقوه هو تلك العلوم التي لا تنفع . والأعمال التي كانت لغير الله تعالى صيرها الله تعالى حميما سقاهم إياه كما أن طعامهم من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ، وهو تلك العلوم والأعمال [ ص: 57 ] الباطلة التي كانت في الدنيا ، كذلك لا يسمن ولا يغني من جوع ، وهؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) وهم الذين عنى بقوله : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) وهم الذين عنى بقوله تعالى : ( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية