الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر إسكان آدم الجنة وإخراجه منها

فلما ظهر للملائكة من معصية إبليس وطغيانه ما كان مستترا عنهم وعاتبه الله على معصيته بتركه السجود لآدم ، فأصر على معصيته وأقام على غيه ، لعنه الله وأخرجه من الجنة وطرده منها وسلبه ما كان إليه من ملك سماء الدنيا والأرض وخزن الجنة ، فقال الله له : فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ، وأسكن آدم الجنة .

قال ابن عباس ، وابن مسعود : فلما أسكن آدم الجنة كان يمشي فيها فردا ليس له زوج يسكن إليها ، فنام نومة واستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه ، فسألها ، فقال : من أنت ؟ قالت : امرأة . قال : ولم خلقت ؟ قالت : لتسكن إلي . قالت له الملائكة لينظروا مبلغ علمه : ما اسمها ؟ قال : حواء . قالوا : ولم سميت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من حي . وقال الله له : ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما .

وقال ابن إسحاق فيما بلغه عن أهل الكتاب وغيرهم ، منهم عبد الله بن عباس قال : ألقى الله تعالى على آدم النوم وأخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحما وخلق منه حواء وآدم نائم ، فلما استيقظ رآها إلى جنبه ، فقال : لحمي ، ودمي ، وروحي ، فسكن إليها ، فلما زوجه الله تعالى وجعل له سكنا من نفسه ، قال له : ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين . وعن مجاهد ، وقتادة مثله .

فلما أسكن الله آدم وزوجته الجنة أطلق لهما أن يأكلا كل ما أرادا من كل ثماره غير ثمرة شجرة واحدة ، ابتلاء منه لهما وليمضي قضاؤه فيهما وفي ذريتهما . فوسوس لهما الشيطان . وكان سبب وصوله إليهما أنه أراد دخول الجنة فمنعته الخزنة ، فأتى كل دابة من دواب الأرض [ ص: 32 ] وعرض نفسه عليها أنها تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم وزوجته . فكل الدواب أبى عليه حتى أتى الحية ، وقال لها : أمنعك من ابن آدم ، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني ، فجعلته بين نابين من أنيابها ، ثم دخلت به ، وكانت كاسية على أربع قوائم من أحسن دابة خلقها الله كأنها بختية ، فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها .

قال ابن عباس : اقتلوها حيث وجدتموها واخفروا ذمة عدو الله فيها .

فلما دخلت الحية الجنة خرج إبليس من فيها فناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له : ما يبكيك ؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة . فوقع ذلك في أنفسهما . ثم أتاهما فوسوس لهما وقال : يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين أن تكونا ملكين ، أو تخلدان إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة . يقول الله تعالى : فدلاهما بغرور . وكان انفعال حواء لوسوسته أعظم ، فدعاها آدم لحاجته . فقالت : لا ، إلا أن تأتي ههنا . فلما أتى قالت : لا ! إلا أن تأكل من هذه الشجرة ، وهي الحنطة . قال : فأكلا منها ، فبدت لهما سوءاتهما ، وكان لباسهما الظفر ، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، قيل : كان ورق التين ، وكانت الشجرة من أكل منها أحدث . وذهب آدم هاربا في الجنة ، فناداه ربه : أن يا آدم مني تفر ؟ قال : لا يا رب ، ولكن حياء منك . فقال : يا آدم ، من أين أتيت ؟ قال : من قبل حواء يا رب . فقال الله : فإن علي أن أدميها في كل شهر وأن أجعلها سفيهة ، وقد كنت خلقتها حليمة ، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها وتشرف على الموت مرارا ، قد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا ، ولولا بليتها لكان النساء لا يحضن ، ولكن حليمات ولكن يحملن يسرا ، ويضعن يسرا .

وقال الله تعالى له : لألعنن الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول بها ثمارها شوكا . ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة أفضل من الطلح والسدر .

[ ص: 33 ] وقال للحية : دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي ، ملعونة أنت لعنة يتحول بها قوائمك في بطنك ، ولا يكون لك رزق إلا التراب . أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك ، حيث لقيت واحدا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك ، اهبطوا بعضكم لبعض عدو : آدم ، وإبليس ، والحية . فأهبطهم إلى الأرض ، وسلب الله آدم وحواء كل ما كانا فيه من النعمة ، والكرامة .

قيل : كان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ، ولكن سقته حواء الخمر حتى سكر فلما سكر قادته إليها فأكل .

قلت : والعجب من سعيد كيف يقول هذا والله يقول في صفة خمر الجنة لا فيها غول .

التالي السابق


الخدمات العلمية