الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 69 ] مسألة قال أبو القاسم والسواك سنة ، يستحب عند كل صلاة أكثر أهل العلم يرون السواك سنة غير واجب ، ولا نعلم أحدا قال بوجوبه إلا إسحاق وداود ; لأنه مأمور به ، والأمر يقتضي الوجوب . وقد روى أبو داود بإسناده ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرا وغير طاهر ، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة } .

                                                                                                                                            ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } . متفق عليه ، يعني لأمرتهم أمر إيجاب ; لأن المشقة إنما تلحق بالإيجاب لا بالندب ، وهذا يدل على أن الأمر في حديثهم أمر ندب واستحباب ، ويحتمل أن يكون ذلك واجبا في حق النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص ، جمعا بين الخبرين ، واتفق أهل العلم على أنه سنة مؤكدة ، لحث النبي صلى الله عليه وسلم ومواظبته عليه ، وترغيبه فيه وندبه إليه ، وتسميته إياه من الفطرة فيما روينا من الحديث . وقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { السواك مطهرة للفم مرضاة للرب } . رواه الإمام أحمد ، في مسنده ، وعن عائشة ، رضي الله عنها قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك ، } رواه مسلم .

                                                                                                                                            وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إني لأستاك ، حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي } رواه ابن ماجه . ويتأكد استحبابه في مواضع ثلاثة : عند الصلاة ; للخبر الأول . وعند القيام من النوم ; لما روى حذيفة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك . متفق عليه ، يعني : يغسله ، يقال : شاصه ، يشوصه ، وماصه : إذا غسله ،

                                                                                                                                            وعن عائشة ، رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرقد من ليل أو نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ . } رواه أبو داود ; ولأنه إذا نام ينطبق فوه فتتغير رائحته . وعند تغير رائحة فيه بمأكول أو غيره ; ولأن السواك مشروع لإزالة رائحته وتطييبه .

                                                                                                                                            ( 117 ) فصل : ويستاك على أسنانه ولسانه ، قال أبو موسى : { أتينا رسول الله فرأيته يستاك على لسانه . } متفق عليه ، وقال عليه السلام { إني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي . } ويستاك عرضا ، لقوله عليه السلام : { استاكوا عرضا ، وادهنوا غبا ، واكتحلوا وترا } ; ولأن السواك طولا من أطراف الأسنان إلى عمودها ربما أدمى اللثة وأفسد العمود .

                                                                                                                                            ويستحب التيامن في سواكه ; لأن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله ، وترجله ، وطهوره ، وفي شأنه كله . } متفق عليه . ويغسله بالماء ; ليزيل ما عليه ، قالت عائشة ، رضي الله عنها : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني السواك لأغسله ، فأبدأ به فأستاك ، ثم أغسله ، ثم أدفعه [ ص: 70 ] إليه . } رواه أبو داود . وروي عنها ، قالت : { كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة آنية مخمرة من الليل : إناء لطهوره ، وإناء لسواكه ، وإناء لشرابه . } أخرجه ابن ماجه .

                                                                                                                                            ( 118 ) فصل : ويستحب أن يكون السواك عودا لينا ينقي الفم ، ولا يجرحه ، ولا يضره ، ولا يتفتت فيه ، كالأراك والعرجون ، ولا يستاك بعود الرمان ولا الآس ولا الأعواد الذكية ; لأنه روي عن قبيصة بن ذؤيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تخللوا بعود الريحان ، ولا الرمان ، فإنهما يحركان عرق الجذام } . رواه محمد بن الحسين الأزدي الحافظ بإسناده ، وقيل : السواك بعود الريحان يضر بلحم الفم .

                                                                                                                                            وإن استاك بأصبعه أو خرقة ، فقد قيل : لا يصيب السنة ; لأن الشرع لم يرد به ، ولا يحصل الإنقاء به حصوله بالعود ، والصحيح أنه يصيب بقدر ما يحصل من الإنقاء ، ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها . والله أعلم .

                                                                                                                                            وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا ابن البختري ، حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح ، حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني بعض أهلي ، عن أنس بن مالك ، { أن رجلا من بني عمرو بن عوف ، قال : يا رسول الله ، إنك رغبتنا في السواك ، فهل دون ذلك من شيء ؟ قال : أصبعيك ، سواك عند وضوئك ، أمرهما على أسنانك ، إنه لا عمل لمن لا نية له ، ولا أجر لمن لا حسنة له . }

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية