الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يجوز نقص حروف البدل ) من قرآن أو ذكر ( عن ) حروف ( الفاتحة ) وهي بالبسملة والتشديدات مائة وخمسة وخمسون حرفا بقراءة ملك ولو بالإدغام خلافا لبعضهم لأن غايته أنه يجعل المدغم مشددا وهو حرفان من الفاتحة والبدل [ ص: 47 ] .

                                                                                                                              ( تنبيه ) ما ذكر من أن حروفها بدون تشديداتها وبقراءة ملك بلا ألف مائة وأحد وأربعون هو ما جرى عليه الإسنوي وغيره وهو مبني على أن ما حذف رسما لا يحسب في العد وبيانه أن الحروف الملفوظ بها ولو في حالة كألفات الوصل مائة وسبعة وأربعون وقد اتفق أئمة الرسم على حذف ست ألفات ألف اسم وألف بعد لام الجلالة مرتين وبعد ميم الرحمن مرتين وبعد عين العالمين فالباقي ما ذكره الإسنوي وخالفه شيخنا في شرح البهجة الصغير فقال بعد ذكر أنها مائة وأحد وأربعون هذا ما ذكره الإسنوي وغيره وتبعتهم في الأصل ، والحق أنها مائة وثمانية وثلاثون بالابتداء بألفات الوصل ا هـ . وكأنه نظر إلى أن صراط في الموضعين والألف بعد ضاد الضالين محذوفة رسما لكن هذا قول ضعيف والأرجح كما قاله الشاطبي صاحب المرسوم ثبوتها في الأولين ، والمشهور بل اقتضى كلام بعضهم أنه متفق عليه ثبوت الثالثة وحينئذ اتجه ما ذكره الإسنوي .

                                                                                                                              وقول شيخنا بالابتداء إلى آخره لا يختص بالحق الذي ذكره بل يأتي على كلام الإسنوي أيضا نظرا لثبوتها في الرسم ، هذا واعتبار الرسم فيما نحن فيه لا وجه له لأن كلامنا في قراءة أحرف بدل أحرف عجز عنها وذلك إنما يناط بالملفوظ دون المرسوم لأنهم يرسمون ما لا يتلفظ به وعكسه لحكم ذكروها على أنها غير مطردة ، ولذا قالوا خطان لا يقاس عليهما خط المصحف الإمام وخط العروضيين فاصطلاح أهل الرسم لا يوافق اللفظ المنوطة به القراءة بوجه فالحق الذي لا محيص عنه اعتبار اللفظ وعليه فهل تعتبر ألفات الوصل نظرا إلى أنه قد يتلفظ بها في حالة الابتداء أولا لأنها محذوفة من اللفظ غالبا كل محتمل ، والأول أوجه فيجب مائة وسبعة وأربعون حرفا غير الشدات الأربعة عشر فالجملة مائة وأحد وستون حرفا فإن قلت يلزم على فرض الشدات كذلك عد الحرف الواحد مرتين لأن لام الرحمن مثلا حسبت وحدها والراء حسبت وحدها ثم حسبتا واحدا في الشدة قلت الممتنع حسابه مرتين من جهة واحدة وما هنا ليس كذلك لأنهما حسبتا أولا نظرا لأصل الفك وثانيا نظرا لعارض الإدغام وكما حسبت ألفات الوصل نظرا لبعض الحالات هكذا هذه فتأمل ذلك فإنه مهم ( في الأصح ) كما لا يجوز النقص عن آياتها وإنما أجزأ قضاء يوم قصير عن طويل لعسر رعاية المماثلة في الأيام استشكل قطعهم بوجوب السبع في البدل دون عدد الحروف مع أنها المقصودة بالثواب ويجاب بأن خصوص كونها سبعا وقعت المنة به كما مر بخلاف خصوص عدد حروفها فكانت عنايتهم بذاك أقوى وإناطة الثواب بها لا تختص بالفاتحة فخف أمرها [ ص: 48 ] ويشترط أن لا يقصد بالذكر غير البدلية ولو معها فلو افتتح أو تعوذ بقصد السنة والبدل لم يكف .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله عن حروف الفاتحة ) هل يكتفي بظنه في كون ما أتى به قدر حروف الفاتحة كما اكتفى به في كون وقوفه بقدرها كما يأتي ( قوله ولو بإدغام ) هذا يفيد أن الإدغام ليس أنقص من عدمه ( قوله من الفاتحة والبدل ) في شرح العباب قال في المجموع وتبعه ابن الرفعة في الكفاية وغيره ويحسب الحرف المشدد بحرفين في الفاتحة والبدل وهو ظاهر خلافا لما في المطلب ا هـ . ما في شرح العباب وعبارة مختصر الكفاية لابن النقيب والحرف المشدد من الفاتحة بحرفين ولا يراعي في الذكر التشديدات انتهى . وظاهر ذلك أنه يغني عن المشدد من الفاتحة حرفان بلا تشديد لكن في الناشري ما نصه وذكر المصنف اعتبار عدم نقص الحروف ولم يذكر اعتبار التشديدات ولا بد من اعتبار وجود تشديدات بعدد تشديدات الفاتحة وإن لم يمكنه ذلك جعل عوض كل تشديد حرفا ، وكذا في الذكر ا هـ . وفيه تصريح بوجوب الإتيان بالتشديدات مع القدرة وأنه لا يغني معها عن المشدد حرفان بلا تشديد .

                                                                                                                              واعلم أن مقتضى ما تقدم عن المجموع وغيره أنه لو أتى في البدل بمشدد عن حرفين في الفاتحة كفى وقد [ ص: 47 ] يتوقف فيه فليتأمل فإن الوجه أنه لا يكفي ( قوله مائة وأحد وأربعون ) أي لأن ذلك هو الباقي بعد إسقاط التشديدات الأربعة عشر من المائة والخمسة والخمسين فقوله تنبيه ما ذكر أي بطريق اللزوم ( قوله والأول أوجه ) قد يقال بل الثاني أوجه لعدم توقف الصحة على تلك الألفات بدليل الصحة إذا وصل الجميع ( قوله لعارض الإدغام ) قد يقال عارض الإدغام إنما يقتضي عد صفة الحرف لا عده مرة أخرى ، فالوجه أن المشدد لا يعد إلا بمرة واحدة لكن بحرفين وتعتبر صفته على ما تقدم عن الناشري ( قوله بوجوب السبع ) أي الآيات وقوله [ ص: 48 ] دون عدد الحروف أي فلم يقطعوا بوجوبه ( قوله أن لا يقصد بالذكر غير البدلية ) شامل لما إذا لم يقصد شيئا ، ولو بالافتتاح والتعوذ وهو صريح قول الروض ولا يشترط قصد البدلية بل يشترط أن لا يقصد غيرها فلو أتى بدعاء الاستفتاح ولم يقصده اعتد به بدلا ا هـ . وهو شامل للقرآن وغيره وقد عبر في شرحه بقوله ولا يشترط في البدل إلخ ( قوله بالذكر ) ومثله الدعاء كما صرح به في غير هذا الكتاب كغيره وخرج بذلك القرآن فليراجع فإن قضية قولهم أنه لا يشترط قصد الركن لكن لا بد من عدم الصارف بأن يقصد غيره فقط أن القراءة كذلك ، وعلى هذا فتفارق القراءة الذكر والدعاء بالاكتفاء بها مع قصد البدلية وغيرها فليحرر لكن عبارة الروض وشرحه شاملة للبدل إذا كان قرآنا فقضيته أنه يضر فيه قصد البدلية وغيرها فانظر ما نقلناه عنه فيما مر ( قوله ولو معها ) يراجع .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( قوله ولا يجوز نقص حروف البدل إلخ ) المراد أن المجموع لا ينقص عن المجموع لا أن كل آية أو نوع من الذكر أو الدعاء من البدل قدر آية من الفاتحة مغني ونهاية ( قوله عن حروف الفاتحة ) وينبغي الاكتفاء بظن عدم النقص هنا كما يأتي في الوقوف لمشقة عد ما يأتي به من الحروف بل قد يتعذر ذلك على كثير من الناس ع ش وحلبي ( قوله بقراءة ملك ) أي بلا ألف ( قوله ولو بالإدغام إلخ ) راجع للمتن قال سم هذه الغاية تفيد أن الإدغام ليس أنقص من عدمه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وهو حرفان إلخ ) قاله في المجموع وتبعه ابن الرفعة في الكفاية وغيره وهو ظاهر خلافا لما في المطلب ا هـ شرح العباب وعبارة مختصر الكفاية لابن النقيب والحرف المشدد من الفاتحة بحرفين ولا يراعى في الذكر التشديدات انتهت ، وظاهر ذلك أنه يغني عن المشدد من الفاتحة حرفان بلا تشديد لكن في الناشري ما نصه وذكر المصنف اعتبار عدم نقص الحروف ولم يذكر اعتبار تشديدات الفاتحة ولا بد من اعتبار وجود تشديدات بعدد تشديدات الفاتحة وإن لم يمكنه ذلك جعل عوض كل تشديدة حرفا ، وكذا في الذكر انتهى وفيه تصريح بوجوب الإتيان بالتشديدات مع القدرة وأنه لا يغني معها عن المشدد حرفان بلا تشديد واعلم أن مقتضى [ ص: 47 ] ما تقدم عن المجموع وغيره أنه لو أتى في البدل بمشدد عن حرفين في الفاتحة كفى وقد يتوقف فيه فليتأمل فإن الوجه م ر أنه لا يكفي سم وما ذكره عن مختصر الكفاية ذكره المغني وأقره وقوله أن مقتضى ما تقدم عن المجموع إلخ أي الذي جرى عليه الشارح والنهاية وقوله فإن الوجه إلخ اعتمده ع ش وغيره عبارة الأول قوله م ر والبدل أي حيث لم نرد التشديدات في البدل كالحرف المشدد من الفاتحة والحرفان منه كالحرف المشدد منها لا عكسه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ما ذكر ) أي بطريق اللزوم سم ( قوله مائة وأحد وأربعون ) أي لأن ذلك هو الباقي بعد إسقاط التشديدات الأربعة عشر من المائة والخمسة والخمسين سم ( قوله وبيانه ) أي ما جرى عليه الإسنوي ( قوله وكأنه ) أي شيخ الإسلام ( قوله لكن هذا ) أي الحذف في المواضع الثلاثة ( قوله ثبوت الثالثة ) خبر والمشهور ( قوله هذا ) أي خذ هذا ( قوله في قراءة الحرف إلخ ) الأولى الحروف ( قوله وذلك ) أي القراءة ( قوله على أنها ) أي تلك الحكم ( قوله ولذا ) أي لعدم الاطراد ( قوله الإمام ) صفة المصحف أي مصحف سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه ( قوله وعليه ) أي الحق المذكور ( قوله والأول أوجه ) أي لأنه الاحتياط الموافق لما جرى عليه الإسنوي وشيخ الإسلام وغيرهما وبه يندفع قول سم قد يقال بل الثاني أوجه لعدم توقف الصحة على تلك الألفات بدليل الصحة إذا وصل الجميع ا هـ وأيضا التوقف عليها عند الفصل الصحيح كاف في الترجيح ( قوله لأن لام الرحمن إلخ ) قد يقال الحق الذي لا محيص عنه بناء على ما قرره من اعتبار اللفظ دون الرسم أن لا يعد نحو لام الرحمن و ( قوله قلت الممتنع إلخ ) ما تضمنه كلامه من حصر الامتناع فيما ذكر ممنوع ومناف لتصريحهم بأن المشدد معدود بحرفين وما ذكره بقوله وكما إلخ ليس فيه تأييد لما ادعاه فليتأمل حق تأمل بصري ( قوله لعارض الإدغام ) قد يقال عارض الإدغام إنما يقتضي عده صفة الحرف لا عده مرة أخرى فالأوجه أن المشدد لا يعد إلا مرة واحدة لكن بحرفين ويعتبر صفته على ما تقدم عن الناشري سم .

                                                                                                                              ( قوله كما لا يجوز ) إلى قوله ويجاب في المغني ( قوله إنما أجزأ إلخ ) رد لدليل مقابل الأصح ( قوله واستشكل إلخ ) عبارة المغني قال ابن الأستاذ قطعوا باعتبار سبع آيات واختلفوا في عدد الحروف والحروف هي المقصودة لأن الثواب عليها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بوجوب السبع ) أي الآيات و ( قوله دون عدد الحروف ) أي فلم يقطعوا بوجوبه سم ( قوله بأن خصوص كونها إلخ ) أي الفاتحة ( قوله كما مر ) أي في شرح فسبع آيات ( قوله بذاك ) أي بالسبع ( قوله بها ) أي بالحروف ( قوله [ ص: 48 ] ويشترط ) إلى المتن في النهاية إلا أنه أبدل الذكر بالبدل وعبارة المغني وشرح المنهج ولا يشترط في الذكر والدعاء أن يقصد بهما البدلية بل الشرط أن لا يقصد بهما غيرها ا هـ . وهي كالصريح في موافقة ما في الشرح والنهاية من عدم جواز التشريك فقول الحلبي على المنهج ووافقه شيخنا ما نصه قوله غيرها أي فقط حتى في التعوذ والافتتاح إذا كان كل بدلا خلافا لحجر ضعيف ولذا عقبه البجيرمي بما نصه وقوله فقط أي فلو قصد البدلية وغيرها لم يضر على كلامه والمعتمد أنه يضر حينئذ بخلاف ما سيأتي في قصد الركن مع غيره والفرق أن الركن أصل والبدل فرع والأصل يغتفر فيه شيخنا وعبارة الإطفيحي قوله بل الشرط أن لا يقصد بهما غيرها أي البدلية ولو معها فلو افتتح وتعوذ بقصد السنية والبدل لم يكفه شرح م ر انتهت وهو الذي اعتمده ع ش ا هـ كلام البجيرمي .

                                                                                                                              ( قوله أن لا يقصد بالذكر إلخ ) شامل لما إذا لم يقصد شيئا ، ولو بالافتتاح والتعوذ وهو صريح قول الروض ولا يشترط قصد البدلية بل يشترط أن لا يقصد غيرها فلو أتى بدعاء الاستفتاح ولم يقصده اعتد به بدلا انتهى ا هـ سم ( قوله بالذكر ) ومثله الدعاء كما صرح به في غير هذا الكتاب كغيره وخرج بذلك القرآن فليراجع وعلى هذا فتفارق القراءة الذكر والدعاء بالاكتفاء بها مع قصد البدلية وغيره فليحرر لكن عبارة الروض المتقدمة وقد عبر في شرحه بقوله ولا يشترط في البدل إلخ شاملة للبدل إذا كان قرآنا فقضيته أنه يضر فيه قصد البدلية وغيره سم ويصرح بتلك القضية قول ع ش ما نصه قوله م ر فلو افتتح أو تعوذ بقصد السنية والبدل لم يكف ينبغي أن مثل ذلك ما لو قرأ آية تشتمل على دعاء فقصد بها الدعاء لنفسه والقرآن فلا تكفي في أداء الواجب إن كانت بدلا ولا في أداء السورة إن لم تكن لأنه لما نوى بذلك القرآن والدعاء أخرجها بالقصد عن كونها قرآنا حكما فلا يعتد بها فيما يتوقف حصوله على القرآن ا هـ .

                                                                                                                              لكن عقبه الرشيدي بما نصه قوله م ر بقصد السنية والبدل لم يكف بحث الشيخ ع ش أن مثله ما إذا أشرك في آية تتضمن الدعاء بين القرآنية والدعاء لنفسه وفيه وقفة للفرق الظاهر إذ هو هنا شرك بين مقصودين لذاتهما للصلاة هما السنية والفرضية فإذا قصد أحدهما فات الآخر بخلافه في تلك مع أن موضوع اللفظ فيها الدعاء ا هـ . ويأتي عن السيد البصري ما يوافقه ( قوله ولو معها ) يراجع سم قد قدمنا ما يزيل التوقف ويزيله أيضا قول البصري ما نصه قوله ولو معها يؤخذ من قرينة التمثيل أن المراد منع التشريك بين البدلية وسنة مقصودة فلا يرد عليه أنه لا يضر في عدم الصارف قصد التشريك كنية التبرد مع نية معتبرة في الوضوء وقصد الصلاة ودفع الغريم وما يأتي له في الاعتدال أن المضر رفع الرأس بقصد الفزع وحده ونحو ذلك لأن جميع ما ذكر ليس فيه تشريك بين مقصودين شرعا بفعل واحد حتى لو فرض في مسألتنا قصد نحو الدعاء مع البدلية لم يضر ا هـ وقد مر عن الرشيدي ما يوافق أوله وأما قوله حتى لو فرض إلخ قد تقدم عن المغني وشرح المنهج وسم ما يخالفه إلا أن يخص قوله المذكور بما إذا كان البدل قرآنا




                                                                                                                              الخدمات العلمية