الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1374 [ 657 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.

وأبنا الربيع، أبنا الشافعي قال: وأبنا الثقة، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا وجبت البركة في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت البركة من بيعهما . [ ص: 382 ] .

التالي السابق


الشرح

أبو الخليل: هو صالح بن أبي مريم الضبعي البصري.

سمع: عبد الله بن الحارث بن نوفل. وروى عنه: قتادة، وأيوب، وأبو علقمة الهاشمي .

وحكيم: هو ابن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى أبو خالد القرشي.

روى عنه: عروة بن الزبير، وعبد الله بن الحارث، وسعيد [بن] المسيب، وموسى بن طلحة.

ويقال أنه عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين، وتوفي سنة أربع وخمسين بالمدينة، وقيل غيره .

وحديث مالك عن نافع عن ابن عمر أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم [عن] يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، بروايتهم عن مالك.

وحديث ابن جريج رواه المزني عن الشافعي عن سفيان عن ابن جريج، وأخرجه مسلم عن ابن أبي عمر وغيره عن سفيان; وروى معنى الحديث عن نافع أيضا: الليث بن سعد; وقد أخرجه البخاري [ ص: 383 ] ومسلم من روايته عن قتيبة عنه، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن رمح عنه، وأيضا أيوب: وقد أخرجه البخاري عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن أيوب، ومسلم عن أبي الربيع وأبي كامل، وأيضا يحيى بن سعيد: وقد أخرجه البخاري عن صدقة عن عبد الوهاب الثقفي عن يحيى، والترمذي عن واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن يحيى.

وحديث ابن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أخرجه البخاري عن الفريابي عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار، ومسلم عن يحيى بن يحيى عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله واللفظ -فيما روى المزني عن الشافعي: البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار، فإذا كان البيع عن خيار فقد وجب واللفظ في الصحيحين: كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا، إلا بيع الخيار.

وحديث قتادة عن أبي خليل رواه شعبة عن قتادة، وأخرجه البخاري من حديث شعبة وهمام عن قتادة، وأبو عيسى الترمذي عن محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عن قتادة، وفي الباب عن ابن عباس وجابر وأنس وسمرة وعبد الله بن عمر، رضي الله عنهم [ ص: 384 ] .

ويروى عن عبد الله بن المبارك أنه كان يقول: الحديث في أن البيعين بالخيار ما لم يتفرقا أثبت من هذه الأساطين .

وقوله: المتبايعان بالخيار، كل واحد منهما على صاحبه بالخيار وكذا هو في كثير من نسخ الكتاب بتكرار لفظة بالخيار، وعلى هذا قصد بالأول وهو قوله: "المتبايعان بالخيار" جملة، والمقصود أن لهما خيارا; والثاني جملة أخرى، والمقصود أن ذلك الخيار لا يختص بأحدهما بل يثبت لكل واحد منهما، وفي أكثر الروايات: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه وهو واضح.

ودلالة الأحاديث على ثبوت خيار المكان للمتبايعين ظاهرة، وبه قال أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، وخالف فيه جماعة، منهم: أبو حنيفة ومالك، وحملوا التفرق على التفرق بالرأي والكلام، وقالوا: كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا في الكلام حتى تم الإيجاب والقبول بينهما، وتعجب الشافعي من رواية مالك الحديث وترك القول بمقتضاه; فقال: رحم الله مالكا، لست أدري من اتهم! اتهم نفسه أو نافعا، وأعظم أن أقول: اتهم ابن عمر، وأجيب عن التأويل بوجوه:

أحدها: أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا أراد أن يوجب البيع الذي عنده مشى قليلا على ما ذكرنا في رواية ابن جريج، والراوي أعرف بما سمعه ورواه.

والثاني: أنه روى ثعلب عن ابن الأعرابي، عن المفضل أنه قال: الافتراق في الكلام، والتفرق في الأبدان [ ص: 385 ] .

والثالث: أن اسم المتبايعين إنما يقع عليهما بالحقيقة بعد تمام البيع.

وقوله: "إلا بيع الخيار" ذكر له تفاسير:

أحدها: أن المعنى: إلا إذا اختارا إمضاء البيع وإلزامه بعدما تعاقدا، فلا يبقى الخيار فيه وإن لم يتفرقا بعد.

والثاني: أن المعنى: إلا أن يشرطا الخيار يوما أو يومين أو ثلاثة فلهما الخيار وإن تفرقا.

والثالث: أن المعنى: إلا أن يشرطا نفي خيار المكان، فيلزم البيع ولا يثبت الخيار.

فعلى الأول: الاستثناء من امتداد الخيار إلى التفرق، وعلى الثاني: من انتهائه بالتفرق، وعلى الثالث: من أصل الخيار.

والظاهر التفسير الأول، ويوضحه ما في الصحيحين من رواية الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا، أو يخير أحدهما الآخر، فإذا خير أحدهما الآخر وتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع .

ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما للآخر: اختر.

وقوله: أو يكون بيعهما عن خيار فسر بهذا أيضا، وقيل: [ ص: 386 ] المعنى أن يخير أحدهما الآخر فيقول له: اختر، فيقول: اخترت -يعني- استدامة البيع.

وقول ابن عيينة: عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر يريد بمثل ما قدمنا، واللفظ في رواية ابن دينار ما ذكرناه.

وقوله: "كل بيعين لا بيع بينهما" أي بصفة اللزوم أو نحوه.

وقوله: "فإن صدقا وبينا" أي صدقا في أوصاف العرض، وبينا ما فيه من عيب وخلل وجبت البركة أي حقت وثبتت، وهذه جملة أخرى مما يؤمر به في البيع لا تتعلق بقوله: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا.




الخدمات العلمية