الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن آدابه ) عبر بمن لأن له آدابا أخر أوصلها في الفتح إلى نيف وعشرين وأوصلتها في الخزائن إلى نيف وستين [ ص: 125 ] ( استقبال القبلة ، ودلك أعضائه ) في المرة الأولى ( وإدخال خنصره ) المبلولة ( صماخ أذنيه ) عند مسحهما ( وتقديمه على الوقت لغير المعذور ) ، وهذه إحدى المسائل الثلاث المستثناة من قاعدة الفرض أفضل من النفل ، [ ص: 126 ] لأن الوضوء قبل الوقت مندوب ، وبعده فرض . الثانية : إبراء المعسر مندوب أفضل من إنظاره الواجب . الثالثة : الابتداء بالسلام سنة أفضل من رده ، وهو فرض ، ونظمه من قال : الفرض أفضل من تطوع عابد حتى ولو قد جاء منه بأكثر     إلا التطهر قبل وقت وابتداء
للسلام كذاك إبرا معسر

( وتحريك خاتمه الواسع ) ومثله القرط ، وكذا الضيق إن علم وصول الماء ، وإلا فرض

التالي السابق


( قوله : إلى نيف وستين ) عبارته في الدر المنتقى إلى نيف وسبعين والنيف بتشديد الياء وقد تخفف : ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني قاموس . مطلب في تتميم مندوبات الوضوء

واعلم أن المذكور منها هنا متنا وشرحا نيف وعشرون ، ولنذكر ما بقي منها من الفتح والخزائن ; فمنها كما في الفتح ترك الإسراف والتقتير ، وترك التمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء ، واستقاؤه الماء بنفسه ، والمبادرة إلى ستر العورة بعد الاستنجاء ، ونزع خاتم عليه اسمه تعالى أو اسم نبيه حال الاستنجاء ، وكون آنيته من خزف ، وأن يغسل عروة الإبريق ثلاثا ، ووضعه على يساره ، وإن كان إناء يغترف منه فعن يمينه ، ووضع يده حالة الغسل على عروته لا رأسه ، وذكر الشهادتين عند كل عضو ، واستصحاب النية في جميع أفعاله ، وأن لا يلطم وجهه بالماء [ ص: 125 ] وملء آنيته استعدادا ، والامتخاط باليسرى ; والتأني ، وإمرار اليد على الأعضاء المغسولة ، والدلك ا هـ لكن قدمنا أن الأول والأخير سنة ، ولعل المراد بما قبله إمرارها عليه مبلولة قبل الغسل ، تأمل .

زاد في البحر وغسل ما تحت الحاجب والشارب ، والتوضؤ في مكان طاهر ; لأن لماء الوضوء حرمة والبدء بأعلى الوجه وأطراف الأصابع ومقدم الرأس ، لكن قدمنا أن الأخيرين سنة . وزاد في الإمداد : ودخوله الخلاء مستور الرأس ، وعدم التوضؤ بماء مشمس ، وأن لا يستخلص إناء لنفسه ، وترك النظر للعورة ، وإلقاء البصاق والمخاط في الماء ، وأن لا ينقصه عن مد ، وغسل الفم والأنف باليمنى . وزاد في المنية الوضوء على الوضوء وعدم نفخه في الماء حال غسل الوجه ، والتشهد عند غسل كل عضو .

وزاد في الخزائن وترك التكلم حال الاستنجاء ، وترك استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء ، واستقبال عين الشمس والقمر واستدبارهما وترك مس فرجه بعد فراغه ، والاستنجاء باليسار ، ومسحها بعده على نحو حائط ، وغسلها بعد ذلك ، ورش الماء على الفرج وعلى السروال بعد الوضوء والتوضؤ من متوضأ العامة ، وإفراغ الماء بيمينه فقد بلغت نيفا وسبعين كما قدمناه عن الدر المنتقى وقدمنا أن ترك المندوب مكروه تنزيها فيزاد ترك ما يكره فعله .

ولا يخفى أن ما مر منه ما هو من آداب الوضوء ومنه ما هو من آداب مقدماته وبهذا تزيد على ما ذكر بكثير ، فإنه بقي للاستنجاء آداب كثيرة ستأتي ( قوله : ودلك أعضائه ) علمت ما فيه ، وقوله : في المرة الأولى عزاه في النهر إلى المنية ، لكنه لم يذكره في المنية هنا وإنما ذكره في الغسل وعلله في الشرح بقوله ليعم الماء البدن في المرتين الأخيرتين ا هـ لكن قال في الحلية الظاهر أنه قيد اتفاقي ( قوله : وتقديمه إلخ ) لأن فيه انتظار الصلاة ، ومنتظر الصلاة كمن هو فيها بالحديث الصحيح وقطع طمع الشيطان عن تثبيطه عنها شرح المنية الكبير .

وفي الحلية : وعندي أنه من آداب الصلاة لا الوضوء لأنه مقصود لفعل الصلاة ا هـ ( قوله : وهذه ) أي مسألة تقديمه على الوقت . مطلب الفرض أفضل من النفل إلا في مسائل

( قوله : المستثناة من قاعدة الفرض أفضل من النفل ) هذا الأصل لا سبيل إلى نقضه بشيء من الصور لأنا إذا حكمنا على ماهية بأنها خير من ماهية أخرى ; كالرجل خير من المرأة لم يمكن أن تفضلها الأخرى بشيء من تلك الحيثية ، فإن الرجل إذا فضل المرأة من حيث إنه رجل لم يمكن أن تفضله المرأة من حيث إنها غير الرجل وإلا تتكاذب القضيتان ، وهذا بديهي ، نعم قد تفضل المرأة رجلا ما من جهة غير الذكورة والأنوثة . ا هـ . حموي . أقول : فعلى هذا لا استثناء حقيقة لاختلاف جهة الأفضلية .

بيان ذلك أن الوضوء للصلاة قبل الوقت يساوي الواقع بعده من حيث امتثال الأمر وسقوط الواجب به ، وإنما للأول فضيلة التقديم ، وكذا إنظار المعسر واجب دفعا لأذاه بالمطالبة وفي إبرائه ذلك مع زيادة إسقاط الدين عنه بالكلية ، فللإبراء زيادة فضيلة الإسقاط ، وكذلك إفشاء السلام سنة لإظهار التواد بين المسلمين وفي رده ذلك أيضا ، لكن وجب الرد لما يلزم على تركه من العداوة والتباغض ، فإفشاؤه أفضل من حيث ابتداء المفشي ي له بإظهار المودة فله فضيلة التقدم ; ففي المسائل الثلاث إنما فضل النفل على الفرض لا من جهة الفرضية بل من جهة أخرى كصوم المسافر في رمضان فإنه أشق من صوم المقيم ، فهو أفضل مع أنه سنة وكالتبكير إلى [ ص: 126 ] صلاة الجمعة فإنه أفضل من الذهاب بعد النداء مع أنه سنة ، والثاني فرض .

وكمن اضطر إلى شربة ماء أو أكل لقمة فدفعت له أكثر مما اضطر إليه ، فدفع ما اضطر إليه واجب ، والزائد نفل ثوابه أكثر من حيث إن نفعه أكثر ، وإن كان دفع قدر الضرورة أفضل من حيث امتثال الأمر ، وكذا من وجب عليه درهم فدفع درهمين أو وجبت عليه أضحية فضحى بشاتين ، وعلى هذا فقد يزاد على المسائل الثلاث من كل ما هو نفل اشتمل على الواجب وزاد ، لكن تسميته نفلا من حيث تلك الزيادة ، أما من حيث ما اشتمل عليه من الواجب فهو واجب ، وثوابه أكثر من حيث تلك الزيادة ، فلا تنخرم حينئذ القاعدة المأخوذة مما صح عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري حكاية عن الله تعالى { وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه } ومما ورد في صحيح ابن خزيمة أن { الواجب يفضل المندوب بسبعين درجة } وإن استشكله في شرح التحرير ، فاغتنم ذلك فإنه من فيض الفتاح العليم .

ثم رأيت بعض المحققين من الشافعية نبه على ما قلته ، ولله الحمد ( قوله : لأن الوضوء إلخ ) ومثله التيمم لغير راجي الماء كما سيأتي في محله عن الرملي ( قوله : أفضل من رده ) وقيل : أجر الرد أكثر لأنه فرض حموي ، عن كراهية العلامي ( قوله : ولو ) الواو زائدة أو عاطفة على محذوف تقديره حتى إن جاء بمثله ، والأول أولى ط ( قوله : منه ) متعلق بأكثر والضمير للفرض ، أو متعلق بجاء والضمير للتطوع ط ( قوله : بأكثر ) جره بالكسرة لأجل ينجس ( قوله : وابتداء ) ألف ابتداء من المصراع الأول وهمزته المنونة من المصراع الثاني ( قوله : إبرا ) بالقصر للضرورة ( قوله : ومثله القرط ) أي في الغسل ، وإلا فلا مدخل له هنا لأنه ما يعلق في الأذن قاموس .




الخدمات العلمية