الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الحج ماشيا روى موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال : " ما آسى على شيء إلا أني وددت أني كنت حججت ماشيا ؛ لأن الله تعالى يقول : يأتوك رجالا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : " أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين " .

وروى القاسم بن الحكم العرني عن عبيد الله الرصافي عن عبد الله بن عتبة بن عمير قال : قال ابن عباس : " ما ندمت على شيء فاتني في شيبتي إلا أن لم أحج راجلا ، ولقد حج الحسن بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا من المدينة إلى مكة وإن النجائب لتقاد معه ، ولقد قاسم الله عز وجل ماله ثلاث مرات إنه ليعطي النعل ويمسك النعل ويعطي الخف ويمسك الخف " .

وروى عبد الرزاق عن عمرو بن زر عن مجاهد قال : " كانوا يحجون ولا يركبون ، فأنزل الله تعالى : رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق وروى ابن جريج قال : أخبرني العلاء قال : سمعت محمد بن علي يقول : " كان الحسن بن علي يمشي وتقاد دوابه " .

قال أبو بكر : قوله تعالى : يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يقتضي إباحة الحج ماشيا وراكبا ولا دلالة فيه على الأفضل منهما ، وما رويناه عن السلف في اختيارهم الحج ماشيا وتأويل الآية عليه يدل على أن الحج ماشيا أفضل ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفصح عن ذلك وهو أن أم عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى بيت الله تعالى فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي ، وهذا يدل على أن المشي قربة قد لزمت بالنذر ، لولا ذلك لما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليها هديا عند تركها المشي . قوله تعالى : يأتين من كل فج عميق روى جويبر عن الضحاك : من كل فج عميق قال : " بلد بعيد " . وقال قتادة : " مكان بعيد " . قال أبو بكر : الفج الطريق ، فكأنه قال : من طريق بعيد . وقال بعض أهل اللغة : " العمق الذاهب على وجه الأرض والعمق الذاهب في الأرض " . قال رؤبة :


وقاتم الأعماق خاوي المخترق



فأراد بالعمق هذا الذاهب على وجه الأرض ، فالعميق البعيد لذهابه على وجه الأرض ، [ ص: 66 ] قال الشاعر :


يقطعن نور النازح العميق



يعني البعيد . وقد روت أم حكيم بنت أمية عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : سمعت النبي يقول : من أهل بالمسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه .

وروى أبو إسحاق عن الأسود أن ابن مسعود أحرم من الكوفة بعمرة . وعن ابن عباس أنه أحرم من الشام في الشتاء ، وأحرم ابن عمر من بيت المقدس ، وعمران بن حصين أحرم من البصرة .

وروى عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال : سئل علي عن قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله قال : " أن تحرم بهما من دويرة أهلك " . وقال علي وعمر : " ما أرى أن يعتمر إلا من حيث ابتدأ " وروي عن مكحول قال : قيل لابن عمر : الرجل يحرم من سمرقند أو من خراسان أو البصرة أو الكوفة ؟ فقال : " يا ليتنا نسلم من وقتنا الذي وقت لنا " ، فكأنه كرهه في هذا الحديث لما يخاف من مواقعة ما يحظره الإحرام لا لبعد المسافة .

التالي السابق


الخدمات العلمية