الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : وأطعموا البائس الفقير روى طلحة بن عمرو عن عطاء : وأطعموا البائس الفقير قال : " من سألك " .

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : البائس الذي يسأل بيده إذا سأل " . وإنما سمي من كانت هذه حاله بائسا لظهور أثر البؤس عليه بأن يمد يده للمسألة ، وهذا على جهة المبالغة في الوصف له بالفقر ، وهو في معنى المسكين ؛ لأن المسكين من هو في نهاية الحاجة والفقر ، وهو الذي قد ظهر عليه السكون للحاجة وسوء الحال ، وهو الذي لا يجد شيئا ، وقيل : هو الذي يسأل .

وهذه الآية قد انتظمت سائر الهدايا والأضاحي وهي مقتضية لإباحة الأكل منها والندب إلى الصدقة ببعضها . وقدر أصحابنا فيه الصدقة بالثلث ، وذلك لقوله تعالى : فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير وقال النبي صلى الله عليه وسلم في لحوم الأضاحي : فكلوا وادخروا فجعلوا الثلث للأكل والثلث للادخار والثلث للبائس الفقير . وفي قوله تعالى : فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير دلالة على حظر بيعها ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : فكلوا وادخروا وفي ذلك منع البيع . ويدل عليه ما روى سفيان عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال : أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وقال : اقسم جلودها وجلالها ولا تعط الجازر منها شيئا فإنا نعطيه من عندنا ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطى منها أجرة الجازر ، وفي ذلك منع من البيع ؛ لأن إعطاء الجازر ذلك من أجرته هو على وجه البيع . ولما جاز الأكل منها دل على جواز الانتفاع بجلودها من . غير جهة البيع ، ولذلك قال أصحابنا : " يجوز الانتفاع بجلد الأضحية " وروي ذلك عن عمر وابن عباس وعائشة . وقال الشعبي : كان مسروق يتخذ مسك أضحيته مصلى فيصلي عليه . وعن إبراهيم وعطاء وطاوس والشعبي : أنه ينتفع به .

قال أبو بكر : ولما منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطى الجازر من الهدي شيئا في جزارتها وقال : " إنا نعطيه من عندنا " دل ذلك على معنيين :

أحدهما : أن المحظور من ذلك أن يعطيه منها على وجه الأجرة ؛ لأن في بعض ألفاظ حديث علي : " وأمرني أن لا أعطي أجر الجزار منها " وفي بعضها : " أن لا أعطيه في جزارتها منها شيئا " فدل على أنه جائز أن يعطي الجزار من غير أجرته كما يعطي سائر الناس . وفيه دليل على جواز الإجارة على نحر البدن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نحن نعطيه من عندنا وهو أصل في جواز الإجارة على كل عمل معلوم . وأجاز أصحابنا الإجارة على ذبح شاة ، ومنع أبو حنيفة الإجارة على قتل رجل بقصاص ، والفرق بينها [ ص: 73 ] أن الذبح عمل معلوم والقتل مبهم غير معلوم ولا يدري أيقتله بضربة أو بضربتين أو أكثر .

التالي السابق


الخدمات العلمية