الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون

                                                                                                                                                                                                                                        (51) هذا أمر منه تعالى لرسله بأكل الطيبات، التي هي الرزق الطيب الحلال، والشكر لله بالعمل الصالح، الذي به يصلح القلب والبدن والدنيا والآخرة. ويخبرهم أنه بما يعملون عليم، فكل عمل عملوه وكل سعي اكتسبوه فإن الله يعلمه، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء وأفضله، فدل هذا على أن الرسل كلهم متفقون على إباحة الطيبات من المآكل وتحريم الخبائث منها، وأنهم متفقون على كل عمل صالح وإن تنوعت بعض أجناس المأمورات، واختلفت بها الشرائع، فإنها كلها عمل صالح، ولكن تتفاوت بتفاوت الأزمنة؛ ولهذا، الأعمال الصالحة التي هي صلاح في جميع الأزمنة قد اتفقت عليها الأنبياء والشرائع، كالأمر بتوحيد الله، وإخلاص الدين له، ومحبته، وخوفه، ورجائه، والبر، والصدق، والوفاء بالعهد، [ ص: 1134 ] وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين واليتامى، والحنو والإحسان إلى الخلق، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، ولهذا كان أهل العلم والكتب السابقة والعقل حين بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - يستدلون على نبوته بأجناس ما يأمر به وينهى عنه، كما جرى لهرقل وغيره، فإنه إذا أمر بما أمر به الأنبياء الذين من قبله ونهى عما نهوا عنه دل على أنه من جنسهم، بخلاف الكذاب فلا بد أن يأمر بالشر وينهى عن الخير.

                                                                                                                                                                                                                                        (52) ولهذا قال تعالى للرسل: وإن هذه أمتكم أمة ؛ أي: جماعتكم - يا معشر الرسل- جماعة واحدة متفقة على دين واحد، وربكم واحد، فاتقون بامتثال أوامري، واجتناب زواجري. وقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ لأنهم بهم يقتدون، وخلفهم يسلكون، فقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون فالواجب على كل المنتسبين إلى الأنبياء وغيرهم أن يمتثلوا هذا، ويعملوا به. (53) ولكن أبى الظالمون المفترقون إلا عصيانا، ولهذا قال: فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ؛ أي: تقطع المنتسبون إلى أتباع الأنبياء أمرهم ؛ أي: دينهم بينهم زبرا ؛ أي: قطعا كل حزب بما لديهم ؛ أي: بما عندهم من العلم والدين فرحون يزعمون أنهم المحقون، وغيرهم على غير الحق، مع أن المحق منهم من كان على طريق الرسل، من أكل الطيبات والعمل الصالح، وما عداهم فإنهم مبطلون.

                                                                                                                                                                                                                                        (54) فذرهم في غمرتهم ؛ أي: في وسط جهلهم بالحق، ودعواهم أنهم هم المحقون. حتى حين ؛ أي: إلى أن ينزل العذاب بهم، فإنهم لا ينفع فيهم وعظ، ولا يفيدهم زجر، فكيف يفيد من يزعم أنه على الحق، ويطمع في دعوة غيره إلى ما هو عليه؟!

                                                                                                                                                                                                                                        (55 -56 أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ؛ أي: أيظنون أن زيادتنا إياهم بالأموال والأولاد دليل على أنهم من أهل الخير والسعادة، وأن لهم خير الدنيا والآخرة؟ وهذا مقدم لهم، ليس الأمر [ ص: 1135 ] كذلك؛ بل لا يشعرون أنما نملي لهم ونمهلهم ونمدهم بالنعم ليزدادوا إثما، وليتوفر عقابهم في الآخرة، وليغتبطوا بما أوتوا حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية