الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن رأى هلال رمضان وحده صام وإن لم يقبل [ ص: 321 ] الإمام شهادته ) لقوله صلى الله عليه وسلم { صوموا لرؤيته } وقد رأى ظاهرا وإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة ، وقال الشافعي : عليه الكفارة إن أفطر بالوقاع لأنه أفطر في رمضان حقيقة لتيقنه به وحكما لوجوب الصوم عليه ولنا أن القاضي رد شهادته بدليل شرعي وهو تهمة الغلط ، فأورث شبهة وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات ، ولو أفطر قبل أن يرد الإمام شهادته اختلف المشايخ فيه ، [ ص: 322 ] ولو أكمل هذا الرجل ثلاثين ، يوما لم يفطر إلا مع الإمام لأن الوجوب عليه للاحتياط ، والاحتياط بعد ذلك في تأخير الإفطار ولو أفطر لا كفارة عليه اعتبارا للحقيقة التي عنده .

التالي السابق


( قوله وقد رأى ظاهرا ) فصار شاهدا للشهر ، وقد قال الله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ولا فرق بين كون هذا الرجل من عرض الناس أو كان الإمام فلا ينبغي للإمام إذا رآه وحده أن يأمر الناس بالصوم ، وكذا الفطر بل حكمه حكم غيره ( قوله : وهذه الكفارة تندرئ بالشبهات ) لأنها التحقت بالعقوبات بدليل عدم وجوبها على المعذور والمخطئ ( قوله : اختلف المشايخ فيه ) والصحيح أنه لا كفارة : لأن الشبهة قائمة قبل رد شهادته .

[ ص: 322 ] روى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال { الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون } فقام دليلا مانعا من وجوب الكفارة فيما إذا أفطر الرائي وحده لأن المعنى الذي به تستقيم الأخبار أن الصوم المفروض يوم يصوم الناس ، والفطر المفروض يوم يفطر الناس ، أعني بقيد العموم .

( قوله : اعتبارا للحقيقة التي عنده ) فالحاصل أن رؤيته موجبة عليه الصوم ، وعدم صوم الناس المتفرع عن تكذيب الشرع إياه قام فيه شبهة مانعة من وجوب الكفارة عليه إن أفطر لحكم النص من الصوم يوم يصوم الناس ، وعدم فطر الناس اليوم الحادي والثلاثين من صومه موجب للصوم عليه بذلك النص أيضا ، والحقيقة التي عنده وهو شهود الشهر ، وكونه لا يكون أكثر من ثلاثين بالنص شبهة فيه مانعة من وجوب الكفارة عليه إن أفطر ، وعلى هذا لو قبل الإمام شهادته وهو فاسق وأمر الناس بالصوم فأفطر هو أو واحد من أهل بلده لزمته الكفارة ، وبه قال عامة المشايخ ، خلافا للفقيه أبي جعفر لأنه يوم صوم الناس ، فلو كان عدلا لا ينبغي أن لا يكون في وجوب الكفارة خلافا لأن وجه النفي كونه ممن لا يجوز القضاء بشهادته وهو منتف هنا .




الخدمات العلمية