الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 218 - 219 ] باب التيمم ( ومن لم يجد ماء وهو مسافر أو خارج المصر بينه وبين المصر نحو ميل أو أكثر يتيمم بالصعيد ) : لقوله تعالى{ فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا }وقوله عليه الصلاة والسلام { التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء }والميل هو المختار في المقدار ; لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر ، والماء معدوم حقيقة ، والمعتبر المسافة دون خوف الفوت ، لأن التفريط يأتي من قبله .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب التيمم .

                                                                                                        الحديث الأول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { التراب طهور المسلم ، ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء } ، قلت : روي من حديث أبي ذر . ومن حديث أبي هريرة ، فحديث أبي ذر رواه أبو داود والترمذي . والنسائي من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الصعيد الطيب وضوء المسلم ، ولو إلى عشر سنين ما لم يجد الماء ، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته ، فإن ذلك خير }انتهى .

                                                                                                        [ ص: 220 ] وطوله أبو داود والترمذي : حديث حسن صحيح وفي رواية لأبي داود ، والترمذي { طهور المسلم }أخرجه أبو داود . والترمذي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة ، وأخرجه النسائي عن أيوب عن أبي قلابة به بالطريقين ، رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثلاثين ، من القسم الأول . ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : حديث صحيح ، ولم يخرجاه ، إذ لم يجدا لعمرو راويا غير أبي قلابة الجرمي ، انتهى .

                                                                                                        وبالطريقين أيضا رواه الدارقطني في " سننه " ورواه أيضا من حديث قتادة عن أبي قلابة ، وضعف ابن القطان في " كتابه الوهم والإيهام " هذا الحديث ، فقال : وهذا حديث ضعيف بلا شك ، إذ لا بد فيه من عمرو بن بجدان ، وعمرو بن بجدان : لا يعرف له حال ، وإنما روى عنه أبو قلابة ، واختلف عنه ، فقال : خالد الحذاء عنه عن عمرو بن بجدان ، ولم يختلف على خالد في ذلك ، وأما أيوب فإنه رواه عن أبي قلابة ، واختلف عليه ، فمنهم من يقول : عنه عن أبي قلابة عن رجل من بني قلابة ، ومنهم من يقول : عن رجل فقط ، ومنهم من يقول : عن عمرو بن بجدان ، كقول خالد ، ومنهم من يقول : عن أبي المهلب ، ومنهم من لا يجعل بينهما أحدا ، فيجعله عن أبي قلابة عن أبي ذر ، ومنهم من يقول : عن أبي قلابة أن رجلا من بني قشير قال : يا نبي الله هذا كله اختلاف على أيوب في روايته عن أبي قلابة ، وجميعه في " سنن الدارقطني " وعلله انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : ومن العجب كون ابن القطان لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان ، مع تفرده بالحديث ، وهو قد نقل كلامه : هذا حديث حسن صحيح ، وأي فرق بين أن يقول : هو ثقة ، أو يصحح له حديث انفرد به ؟ وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة ، فليس هذا : بمقتضى مذهبه ، فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال ، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله ، وهو تصحيح الترمذي ، وأما الاختلاف الذي ذكره من " كتاب الدارقطني " فينبغي على طريقته . وطريقة الفقه أن ينظر في ذلك ، إذ لا تعارض بين قولنا : عن رجل ، وبين قولنا : عن رجل من بني عامر ، وبين قولنا : عن عمرو بن بجدان ، وأما من أسقط ذكر هذا الرجل فيأخذ بالزيادة ، ويحكم بها ، وأما من قال : عن أبي المهلب ، فإن كان كنية لعمرو فلا اختلاف ، وإلا فهي رواية واحدة مخالفة احتمالا لا يقينا ، وأما من قال : إن رجلا من بني قشير قال : يا نبي الله ، [ ص: 221 ] فهي مخالفة ، فكان يجب أن ينظر في إسنادها على طريقته ، فإن لم يكن ثابتا لم يعلل بها انتهى كلامه .

                                                                                                        وأما حديث أبي هريرة ، فرواه البزار في " مسنده " حدثنا مقدم بن محمد المقدمي حدثني القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته } ، وانتهى .

                                                                                                        قال البزار : لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ، ولم نسمعه إلا من مقدم ، وكان ثقة انتهى . ورواه الطبراني في " معجمه الوسط " حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة ثنا مقدم بن محمد المقدمي به عن ابن سيرين عن أبي هريرة ، قال : { كان أبو ذر في غنيمة بالمدينة ، فلما جاء قال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، فسكت ، فرددها عليه ، فسكت ، فقال : يا أبا ذر ثكلتك أمك ، قال : إني جنب ، فدعا له الجارية بماء ، فجاءته به ، فاستتر براحلته ، ثم اغتسل ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يجزئك الصعيد ، ولو لم تجد الماء عشرين سنة ، فإذا وجدته فأمسه جلدك }انتهى .

                                                                                                        وقال : لم يروه عن ابن سيرين إلا هشام ، ولا عن هشام إلا القاسم ، تفرد به مقدم انتهى . وذكره ابن القطان في " كتابه " من جهة البزار ، وقال : إسناده صحيح ، وهو غريب من حديث أبي هريرة ، وله علة ، والمشهور حديث أبي ذر الذي صححه الترمذي ، وغيره ، قال : والقاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم أبو محمد الهلال الواسطي يروي عن عبيد الله بن عمر ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، وروى عنه ابن أخيه مقدم بن يحيى الواسطي . وأحمد بن حنبل ، وأخرج له البخاري في التفسير والتوحيد وغيرهما من " صحيحه " معتمدا ما يرويه انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية