الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6226 6600 - قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" [انظر: 1384 - مسلم : 2658، 2659 - فتح: 11 \ 493].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - سئل: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: حديثه أيضا: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة" ... الحديث، وفي آخره: قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 133 ] وغرضه في الباب الرد على الجهمية في قولهم: إن الله لا يعلم أفعال العباد حتى يعملوها، تعالى الله عن قولهم، فرد الشارع ذلك من قولهم، وأخبر في هذا الحديث أن الله يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون ، ومصداق هذا الحديث في قوله تعالى: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه [الأنعام: 28] وقال في آية أخرى ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون [الأنفال: 23] فإذا ثبت بهاتين الآيتين المصدقتين لحديثه - عليه السلام - أنه يعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون، فأحرى أن يعلم ما يكون وما قدره وقضاه في كونه، وهذا يقوي ما يذهب إليه أهل السنة: أن القدر هو علم الله وغيبه الذي استأثر به، فلم يطلع عليه ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا ، وروى روح بن عبادة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن محمد بن سيرين قال: ما ينكر هؤلاء -يعني: الصفوية - أن يكون الله تعالى علم علما، فجعله كتابا، وقد قيل: إن بعض الأنبياء كان يسأل الله تعالى عن القضاء والقدر فمحي من النبوة.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا ذكر القدر فأمسكوا" وقال بلال بن أبي بردة لمحمد بن واسع ، ما تقول في القضاء والقدر؟ فقال: أيها الأمير إن الله تعالى لا يسأل عباده يوم القيامة عن قضائه وقدره، وإنما يسألهم عن أعمالهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 134 ] وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري : إن الله لا يطالب خلقه بما قضى عليهم، وإنما يطالبهم بما نهاهم عنه وأمرهم به، فطالب نفسك من حيث يطالبك ربك .

                                                                                                                                                                                                                              وسئل أعرابي عن القدر فقال: الناظر في قدر الله كالناظر في عين الشمس يعرف ضوئها ولا يقدر على حدودها.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : لا أعلم لهذا الحديث وجها إلا: الله أعلم بما يعمل به; لأنه سبحانه علم أن هؤلاء لا يتأخرون عن آجالهم، ولا يعملون شيئا، وقد أخبر أنهم ولدوا على الفطرة -أي: الإسلام- وأن آبائهم يهودونهم وينصرونهم، كما أن البهيمة تولد سليمة من الجدع والخصاء وغيره بما يعمل الناس بها حتى يصنع ذلك بها، وكذلك الولدان.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: الفطرة: الخلق، وقيل: معناه على الإقرار لله الذي أمر به لما أخرجه من ظهر آدم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              الجدع: قطع الأنف، وقطع الأذن أيضا، وقطع اليد والشفة، ذكره الجوهري .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("كما تنتجون البهيمة") قال أبو علي : يقال: تنتجت الناقة إذا أعنتها على النتاج، قال الجوهري : نتجت الناقة على ما لم يسم فاعله - تنتج نتاجا، ونتجها أهلها نتجا. ومثله عند ابن فارس .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 135 ] وقال الجوهري : الناتج من الإبل كالقابلة من النساء، ويقال: نتجت الناقة: إذا ولدت، فهي منتوجة، كما يقال: نفست فهي منفوسة وأنتجت الفرس: حملت، وقال يعقوب : إذا استبان حملها. وقال الجوهري : إذا حان نتاجها. قال ابن التين : وروي "ينتجون" بضم أوله على أنه رباعي من أنتج إنتاجا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قد أسلفنا مذاهب العلماء في أولاد المشركين ، والمختار أنهم من أهل الجنة لا ذريتهم، ولا مع آبائهم، ولا بالوقف، ولا بإرسال رسول إليهم يأمرهم باقتحام النار، فمن اقتحمها كانت بردا وسلاما، ومن أبى وجبت عليه الحجة. وقد سلف أن فيها تكليفا ما، وليس بغالب.

                                                                                                                                                                                                                              و(قيل) : معنى قوله: "والله أعلم بما كانوا عاملين" أي: يعلم من اقتحم ومن يأبى. قيل: والصم والبكم في الحكم مثلهم. وهو بعيد. قال الداودي : احتج قوم فقالوا: جائز تكليف ما لا يطاق; لقوله تعالى: ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون [القلم: 42] وهذا لم يدعوا إليه ليجزوا بفعله ولا ليعاقبوا على تركه، وهم لا يعاقبون إذا لم يسجدوا يوم القيامة، إنما يعاقبون بتركهم إياه وهم سالمون، وهذا الذي حكاه عن قوم هو مذهب أهل السنة، أن تكليف ما لا يطاق جائز، واحتجوا بقوله تعالى: ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به [البقرة: 286] فلو لم يكن جائزا لما سألوه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية