الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            1233 ( وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : { كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء ، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن غير واحد . } رواه البخاري والنسائي وأبو داود وفي رواية لهم : فلما كانت خلافة عثمان وكثروا ، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء ، فثبت الأمر على ذلك ولأحمد والنسائي : { كان بلال يؤذن إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ، ويقيم إذا نزل } )

                                                                                                                                            1234 - ( وعن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم } رواه ابن ماجه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث عدي بن ثابت قال ابن ماجه أرجو أن يكون متصلا ، قال : ووالد عدي لا صحبة له إلا أن يراد بأبيه جده أبو أبيه فله صحبة على رأي بعض الحفاظ من المتأخرين ، وأخرج نحوه الترمذي عن ابن مسعود بلفظ : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا } وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف . قال الترمذي : ذاهب الحديث ، قال : ولا يصح في هذا الباب شيء قال الحافظ في بلوغ المرام : وله شاهد من حديث البراء عند ابن خزيمة ا هـ .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي سعيد عند البخاري ومسلم والنسائي ، قال : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما على المنبر وجلسنا حوله } بوب عليه البخاري باب استقبال الناس الإمام إذا خطب . وفي الباب أيضا عن مطيع أبي يحيى عن أبيه عن جده قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام استقبلناه بوجوهنا } ومطيع هذا مجهول ، وقد تقدم في حديث ابن عمر { أنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الناس بوجهه } قوله : ( كان النداء يوم الجمعة ) في رواية لابن خزيمة كان ابتداء النداء الذي ذكره الله تعالى [ ص: 312 ] في القرآن يوم الجمعة وله في رواية : { كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة } وفسر الأذانين بالأذان والإقامة ، يعني تغليبا .

                                                                                                                                            قوله : ( إذا جلس الإمام ) قال المهلب : الحكمة في جعل الأذان في هذا المحل ليعرف الناس جلوس الإمام على المنبر فينصتون له إذا خطب . قال الحافظ : وفيه نظر لما عند الطبراني وغيره في هذا الحديث { أن بلالا كان يؤذن على باب المسجد } فالظاهر أنه كان لمطلق الإعلام لا لخصوص الإنصات ، نعم لما زيد الأذان الأول كان للإعلام ، وكان الذي بين يدي الخطيب للإنصات .

                                                                                                                                            قوله : ( فلما كان عثمان ) أي خليفة قوله : ( وكثر الناس ) أي بالمدينة كما هو مصرح به في رواية ، وكان أمره بذلك بعد مضي مدة من خلافته كما عند أبي نعيم في المستخرج قوله : ( زاد النداء الثالث ) في رواية " فأمر عثمان بالنداء الأول " وفي رواية " التأذين الثاني أمر به عثمان " ولا منافاة لأنه سمي ثالث باعتبار كونه مزيدا ، وأولا باعتبار كون فعله مقدما على الأذان والإقامة ، وثانيا باعتبار الأذان الحقيقي لا الإقامة قوله ( على الزوراء ) بفتح الزاي وسكون الواو بعدها راء ممدودة . قال البخاري : هي موضع بسوق المدينة . قال الحافظ : وهو المعتمد . وقال ابن بطال : هو حجر كبير عند باب المسجد . ورد بما عند ابن خزيمة وابن ماجه عن الزهري أنها دار بالسوق يقال لها الزوراء وعند الطبراني " فأمر بالنداء الأول على دار يقال لها الزوراء فكان يؤذن عليها ، فإذا جلس على المنبر أذن مؤذنه الأول ، فإذا نزل أقام الصلاة " قال في الفتح : والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر ، لكن ذكر الفاكهاني أن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد . قال الحافظ : وبلغني أن أهل الغرب الأدنى الآن لا تأذين عندهم سوى مرة .

                                                                                                                                            وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال : الأذان الأول يوم الجمعة بدعة ، فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار ، ويحتمل أن يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة ، وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسا على بقية الصلوات ، وألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب .

                                                                                                                                            وأما ما أحدث الناس قبل الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض ، واتباع السلف الصالح أولى ، كذا في الفتح . وقد روي عن معاذ أن عمر هو الذي أحدث ذلك وإسناده منقطع ، ومعاذ أيضا خرج من المدينة إلى الشام في أول غزو الشام ، واستمر في الشام إلى أن مات في طاعون عمواس . قوله : ( غير مؤذن واحد ) فيه أنه قد اشتهر أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم جماعة من المؤذنين منهم بلال وابن أم مكتوم وسعد القرظ وأبو محذورة .

                                                                                                                                            وأجيب بأنه أراد في الجمعة وفي مسجد المدينة ، ولم ينقل أن ابن [ ص: 313 ] أم مكتوم كان يؤذن يوم الجمعة ، بل الذي ورد عنه التأذين يوم الجمعة بلال ، وأبو محذورة جعله صلى الله عليه وسلم مؤذنا بمكة ، وسعد جعله بقباء قوله : ( استقبله أصحابه بوجوههم ) فيه مشروعية استقبال الناس للخطيب حال الخطبة ، وأحاديث الباب وإن كانت غير بالغة إلى درجة الاعتبار فقد شد عضدها عمل السلف والخلف على ذلك .

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : وهذا كالإجماع . وقال الترمذي : العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يستحبون استقبال الإمام إذا خطب ، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق . قال العراقي : وغيرهم عطاء بن أبي رباح وشريح ومالك والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وابن جابر ويزيد بن أبي مريم وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وروي عن ابن المسيب والحسن أنهما كانا لا ينحرفان إليه ، وهل المراد باستقبال السامعين للخطيب أن يستقبله من يواجهه أو جميع أهل المسجد ، حتى أن من كان في الصف الأول والثاني وإن طالت الصفوف ينحرفون بأبدانهم أو بوجوههم لسماع الخطبة .

                                                                                                                                            قال العراقي : والظاهر أن المراد بذلك من يسمع الخطبة دون من بعد فلم يسمع ، فاستقبال القبلة أولى به من توجهه لجهة الخطبة .

                                                                                                                                            وروي عن الإمام شرف الدين أنه يجب على العدد الذين تنعقد بهم الجمعة المواجهة دون غيرهم ، وأوجب الاستقبال المذكور أبو الطيب الطبري ، صرح بذلك في تعليقه . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية