الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                الحديث الثاني :

                                673 705 - حدثنا آدم ، ثنا شعبة ، ثنا محارب بن دثار ، قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري قال : أقبل رجل بناضحين ، وقد جنح الليل ، فوافق معاذا يصلي ، فترك ناضحيه وأقبل إلى معاذ ، فقرأ بسورة البقرة - أو النساء - ، فانطلق الرجل ، وبلغه أن معاذا نال منه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معاذ ، أفتان أنت - أو فاتن - ؟ ثلاث مرات ، فلولا صليت ب : سبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى ؛ فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة ) أحسب هذا في الحديث .

                                وتابعه : سعيد بن مسروق ومسعر والشيباني .

                                قال عمرو وعبيد الله بن مقسم وأبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله : قرأ معاذ في العشاء بالبقرة .

                                وتابعه : الأعمش ، عن محارب .

                                [ ص: 218 ]

                                التالي السابق


                                [ ص: 218 ] قال الخطابي : جنح الليل : أقبل بظلمته ، وقد جنح جنوحا ، ومنه جنح الليل : إقبال ظلمته .

                                والناضح : البعير يسقى عليه .

                                والفتنة على وجوه ، ومعناها هاهنا : صرف الناس عن الدين ، وحملهم على الضلال ، قال تعالى : ما أنتم عليه بفاتنين أي : مضلين .

                                وقوله : ( فلولا صليت بسبح ) يريد : هلا قرأت ، كقوله : فلولا إن كنتم غير مدينين فلولا كان من القرون معناه : فهلا .

                                وفيه : أنه جعل الحاجة عذرا في تخفيفها . انتهى .

                                وتفسيره الفتنة - هاهنا - بالإضلال بعيد ، والأظهر : أن المراد بالفتنة هاهنا : الشغل عن الصلاة ؛ فإن من طول على من شق عليه التطويل في صلاته ، فإنه يشغله عن الخشوع في صلاته ، ويلهيه عنها ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نظر إلى أعلام الخميصة التي كانت عليه في الصلاة نزعها ، وقال : ( كادت تفتنني ) وأمر عائشة أن تميط قرامها الذي فيه تصاوير ، وقال : ( لا يزال تصاويره تعرض لي في صلاتي ) .

                                ومنه : تخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة لما سمع بكاء الصبي مخافة أن تفتتن أمه .

                                ومنه : قول أبي طلحة ، لما نظر إلى الطائر في صلاته وهو يصلي في حائطه حتى اشتغل به عن صلاته : لقد أصابني في مالي هذا فتنة .

                                وقد سبق ذكر ذلك كله ، سوى حديث بكاء الصبي ؛ فإنه سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى .

                                وسبق حديث آخر في الصلاة على الخمرة في هذا المعنى .

                                والفتنة في هذه المواضع كلها ، هو : الاشتغال عن الصلاة ، والالتهاء عنها .

                                [ ص: 219 ] ويجوز أن يكون منه قول الله تعالى : إنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن يكون المراد : أنها تشغل عن عبادة الله وذكره .

                                ويدل عليه : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يخطب ورأى الحسن والحسين قد أقبلا ، نزل فحملهما ، ثم قال : ( صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة إني رأيت هذين الغلامين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر ) .

                                وأما ما ذكره البخاري من المتابعات والرواية المعلقة ، فمضمونه : أن جماعة رووا هذا الحديث عن محارب بن دثار كما رواه عنه شعبة ، وقالوا في قراءة معاذ : ( البقرة أو النساء ) بالشك ، منهم : سعيد بن مسروق الثوري - والد سفيان - ، ومنهم : مسعر وأبو إسحاق الشيباني .

                                والشك في هذا من محارب ، كذا في رواية غندر عن شعبة .

                                خرجه الإسماعيلي .

                                وفيه - أيضا - : قال : أحسب محاربا الذي شك في ( الضعيف ) - يعني : شك : هل قال : ( الضعيف ) أو ( ذا الحاجة ) ؟

                                وفي حديث معاذ بن معاذ ، عن شعبة : أن معاذا كان يصلي بالناس المغرب .

                                ورواه علي بن الجعد ، عن شعبة ، وقال فيه : قلت لمحارب : أي صلاة كانت ؟ قال : المغرب .

                                فهذه الرواية تبين أن ذكر المغرب إنما هو ظن من محارب .

                                وخرج أبو داود الحديث بذكر المغرب من وجه آخر فيه انقطاع .

                                وذكر البخاري : أنه رواه الأعمش ، عن محارب ، فقال فيه : ( قرأ بالبقرة ) من غير شك .

                                وكذا رواه عمرو بن دينار وعبيد الله بن مقسم وأبو الزبير ، عن جابر ، [ ص: 220 ] وقالوا في حديثهم : ( قرأ البقرة ) من غير شك .

                                وقد خرج البخاري حديث عمرو بن دينار فيما تقدم بهذا اللفظ .

                                وقد تقدم أن النسائي خرجه من حديث الأعمش ، عن محارب ، ولم يسم السورة ، بل قال : ( سورة كذا وكذا ) .



                                الخدمات العلمية