الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 498 - 499 ] كتاب الاعتكاف لغة : لزوم الشيء ومنه { يعكفون على أصنام لهم } بفتح الكاف في الماضي وضمها وكسرها في المضارع وشرعا ( لزوم مسلم لا غسل عليه عاقل ، ولو ) كان ( مميزا : مسجدا ) مفعول " لزوم " ( ولو ) كان لزومه ، أي : وقته ( ساعة ) من ليل أو نهار أي : ما يسمى به معتكفا لابثا ( لطاعة ) متعلق ب " لزوم " ( على صفة مخصوصة ) تأتي فلا يصح من كافر ، ولا ممن عليه غسل لجنابة أو غيرها ، ولا غير عاقل ومن دون التمييز ، ولا في غير مسجد أو بغير لبث ولا يلزم غير مسجد لنحو صناعة ، ومشروعيته بالكتاب والسنة قال في المغني : ولا نعلم بين العلماء خلافا في أنه مسنون ويسمى جوارا وقال ابن هبيرة : لا يحل أن يسمى خلوة وفي الفروع : ولعل الكراهة أولى .

                                                                          ( ولا يبطل ) اعتكاف ( بإغماء ) كنوم لبقاء التكليف ( وسن ) اعتكاف ( كل وقت ) لفعله صلى الله عليه وسلم ومداومته عليه واعتكف أزواجه معه ، وبعده .

                                                                          ( و ) هو ( في رمضان آكد ) لفعله صلى الله عليه وسلم ( وآكده ) أي : رمضان ( عشره الأخير ) لحديث أبي سعيد { كنت أجاور هذه العشر ، يعني الأوسط ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليلبث في معتكفه } ولما فيه من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وإذا نذر اعتكاف العشر الأخير فنقص الشهر أجزأه ، لا إن نذر عشرة أيام من آخر الشهر فنقص فيقضي يوما ( ويجب ) اعتكاف ( بنذر ) لحديث { من نذر أن يطيع الله فليطعه } رواه البخاري .

                                                                          ( وإن علق ) نذر اعتكاف ( أو غيره ) كنذر صوم أو عتق ( بشرط ) كإن شفى الله مريضي لأعتكفن أو لأصومن كذا ( تقيد [ ص: 500 ] به ) أي : الشرط فلا يلزمه قبله كطلاق ( ويصح ) اعتكاف ( بلا صوم ) لحديث عمر { يا رسول الله ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك } رواه البخاري ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل وكالصلاة وسائر العبادات وحديث عائشة { لا اعتكاف إلا بصوم } موقوف عليها ومن رفعه فقد وهم ذكره في المغني والشرح وغيره ثم لو صح فالمراد به : الاستحباب و ( لا ) يصح اعتكاف ( بلا نية ) لأنه عبادة محضة ولحديث { إنما الأعمال بالنيات } ( ويجب أن يعين نذر بها ) أي النية ، ليتميز النذر عن التطوع ( ومن نوى خروجه منه ) أي : الاعتكاف ( بطل ) كصلاة وصوم .

                                                                          ( ومن نذر أن يعتكف صائما ) لزمه الجمع ( أو ) نذر أن يعتكف ( بصوم ) لزمه الجمع ( أو ) نذر أن ( يصوم معتكفا ) لزمه الجمع ( أو باعتكاف أو ) نذر أن ( يعتكف مصليا ) لزمه الجمع ( أو ) نذر ( أن يصلي معتكفا لزمه الجمع ) بين الاعتكاف والصلاة والصيام لحديث { ليس على المعتكف صوم ، إلا أن يجعله على نفسه } وقيس عليه الصلاة لأن كلا منهما صفة مقصودة في الاعتكاف فلزمت بالنذر كالتتابع والقيام في النافلة ( كنذر صلاة بسورة معينة ) من القرآن فلو فرقهما أو اعتكف وصام من رمضان ونحوه لم يجزئه ولا يلزمه أن يصلي جميع النهار ، بل يكفيه ركعتان .

                                                                          ( ولا يجوز لزوجة وقن ) وأم ولد ومدبر ومعلق عتقه بصفة ( اعتكاف بلا إذن زوج ) لزوجته .

                                                                          ( و ) لا إذن ( سيد ) لرقيقه ، لتفويت حقهما عليهما ( ولهما ) أي : الزوج والسيد ( تحليلهما ) أي : الزوجة والقن ( مما شرعا فيه ) من اعتكاف ولو منذورا ( بلا إذن ) زوج أو سيد لحديث { لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه }

                                                                          رواه الخمسة وحسنه الترمذي ولما فيه من تفويت حق غيرهما بغير إذنه فكان لرب الحق المنع منه ، كمنع مالك غاصبا ( أو ) كانا شرعا فيه ( به ) أي : بإذن زوج وسيد ( وهو ) أي : ما شرعا فيه ( تطوع ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم { أذن لعائشة وحفصة وزينب في الاعتكاف ، ثم منعهن منه بعد أن دخلن فيه } ويخالف الحج لأنه يجب بالشروع فيه وليس لهما تحليلهما من منذور شرعا فيه بالإذن والإذن في عقد النذر إذن في فعله إن نذرا معينا بالإذن ( ولمكاتب اعتكاف بلا إذن ) سيده نصا لملكه منافع نفسه ، كحر مدين ، بخلاف أم ولد ومدبر .

                                                                          ( و ) لمكاتب [ ص: 501 ] أيضا ( حج ) بلا إذن نصا كاعتكاف وأولى لإمكان التكسب معه لكن له منعه من السفر ويأتي ( ما لم يحل عليه نجم ) من كتابته فإن حل لم يحج بلا إذن سيده ( ومبعض كقن ) كله فلا يجوز له ذلك إلا بإذن سيده لأن له ملكا في منافعه في كل وقت ( إلا مع مهايأة ) فله أن يعتكف ويحج ( في نوبته ) بلا إذن مالك أو بعضه ( ف ) إنه في نوبته ( كحر ) لملكه اكتسابه ومنافعه .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية