الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وفي منثور ابن عقيل عن أحمد : " من مات ببغداد على السنة نقل من جنة إلى جنة " وروى الحاكم في تاريخه عن الأصمعي قال : جنات الدنيا [ في ] ثلاث مواضع : نهر معقل بالبصرة ، ودمشق بالشام ، وسمرقند بخراسان . وكثر تفضيل بغداد ومدحها من العلماء ، قال شعبة لأبي الوليد : أدخلت بغداد ؟ قال : لا ، قال : فكأنك لم تر الدنيا .

                                                                                                          وقال ابن علية : ما رأيت قوما أعقل في طلب الحديث من أهل بغداد .

                                                                                                          وقال الشافعي ليونس بن عبد الأعلى : دخلت بغداد ؟ قال : لا ، قال : ما رأيت الناس ولا رأيت الدنيا وقال : ما دخلت بلدا قط إلا عددته سفرا إلا بغداد ، فإني حين دخلتها عددتها وطنا وقال أبو بكر بن عياش : الإسلام ببغداد ، وإنها لصيادة تصيد الرجال ، ومن لم يرها لم ير الدنيا .

                                                                                                          وقال مجاهد : رأيت أبا عمرو بن العلاء في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : دعني مما فعل الله بي ، من أقام ببغداد على السنة والجماعة ومات نقل إلى الجنة ، [ ص: 219 ] وقال أبو معاوية وذكر بغداد فقال هي دار دنيا وآخرة .

                                                                                                          وقال ذو النون المصري : من أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد ، ثم ذكر أنه لما حمل إليها رأى سقاء فقال : هذا سقاء السلطان ؟ فقيل : سقاء العامة ، فشرب منه ، فشم من الكوز رائحة المسك ، فقلت لمن معي : أعطه دينارا ، فأبى أخذه فقلت له : لم ؟ قال : أنت أسير ، وليس من المروءة آخذ منك .

                                                                                                          وقال سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى : إذا كان علم الرجل حجازيا ، وخلقه عراقيا ، وطاعته شامية ، فقد كمل .

                                                                                                          وقال الحسن بن عرفة في أهل بغداد : هم جهابذة العلم .

                                                                                                          وقال أبو القاسم الديلمي وهو شيخ ينطق بعلوم : دخلت البلدان من سمرقند إلى القيروان ومن سرنديب إلى بلد الروم ، فما وجدت بلدا أفضل ولا أطيب من بغداد . وقال : إذا خرجت من العراق ، فالدنيا كلها رستاق .

                                                                                                          وقال ابن الجوزي : اعتدال هوائها وطيب مائها لا يشك فيه ، ولا يختلف في أن فطن أهلها وعلومهم وذكاءهم يزيد على أهل كل بلد ، وقد أجمع على هذا جميع فطناء الغرباء ، وإنما يعيبها الجامد الذهن ، وما زالت الشعراء تمدحها ، كذا قال ، ومن المعلوم أن في فضل الشام من الكتاب والسنة ما ليس في العراق ، وأفضل الشام دمشق بلا شك ، فهو فاضل في نفسه ، وأقام فيه كثير من العلماء والزهاد والعباد من الصحابة والتابعين من بعدهم أكثر من غيره ، وما يتفق فيه قل أن يتفق [ ص: 220 ] في غيره ، بل لا يوجد ، فمن تأمل ذلك وأنصف علمه . ومعلوم ما في ذم المشرق من الأخبار الصحيحة والفتن .وبغداد منه ، وفيها من الحر الشديد وكثرة استيلاء الغرق عليها ما هو معلوم بالمشاهدة والأخبار وفضل بغداد عارض بسبب الخلفاء بها ، وفي ذمها خبر خاص عن جرير مرفوعا { تبنى مدينة بين قطربل والصراة ودجلة ودجيل ، يخرج منها جبار أهل الأرض ، يجبى إليها الخراج ، يخسف الله بها ، أسرع في الأرض من المعول في الأرض الرخوة } فهذا خبر معروف بعمار بن سيف ، وضعفه أبو زرعة وأبو حاتم .

                                                                                                          وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال أيضا : ثقة .

                                                                                                          وقال العجلي : ثقة ثبت متعبد صاحب سنة ، وتركه الدارقطني .

                                                                                                          وقال الخطيب : لا أصل له ، وقال ابن الجوزي ، روي من ستة عشر طريقا كلها واهية ، وروي نحوه من حديث علي من ثلاثة طرق ، ومن حديث أنس من طريقين ، ومن حديث حذيفة ولا يثبت ، وذكرتها في الموضوعات . قال [ الإمام ] أحمد بن حنبل وسئل عن هذا الحديث { تبنى مدينة } فقال : ليس له أصل ، وما حدث به إنسان ثقة ، قال الخطيب : كل هذه الأحاديث واهية الأسانيد عند أهل العلم بالنقل ، كذا قال ، مع أنه احتج في فضل العراق بأشياء من جنسها ، وتابعه ابن الجوزي ، ثم ذكر ابن الجوزي عن جماعة ذم بغداد ، فعن الفضيل بن عياض : هي مغصوبة وقيل : من السواد وهو وقف لا يصح بيعها [ ص: 221 ] ولا شراؤها ، وقيل : لمجاورة السلاطين والمترفين .

                                                                                                          وقال سفيان : المتعبد ببغداد كالمتعبد في الكنيف ، قال عبد الله بن داود الحرمي : كان سفيان يكره جوار القوم وقربهم .

                                                                                                          وقال ابن المبارك : ليس بغداد مسكن الزهاد . ثم أجاب ابن الجوزي بما لا ينفع ، وقد كان أحمد يزرع داره ويخرج عنها ، قال أصحابه : لأن بغداد كانت مزارع وقت فتحت .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية