الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5216 - وعن عمرو رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوما فقال في خطبته : " ألا إن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر ، ألا وإن الآخرة أجل صادق ، ويقضي فيها ملك قادر ، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة ، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار ، ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر ، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " رواه الشافعي .

التالي السابق


5216 - ( وعن عمرو ) : بالواو ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب يوما فقال في خطبته : " ألا " ) : للتنبيه ( " إن الدنيا عرض " ) : بفتحتين أي : مال حادث وحال عارض ( " حاضر " ) أي : عاجل محسوس ( " يأكل منه " ) أي : من العرض ، وفي نسخة منها أي : من الدنيا ( " البر والفاجر " ) أي : المؤمن والكافر ، فإنه تعالى قال : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وقال : كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا أي : ممنوعا ، هذا وقال الراغب : العرض ما لا يكون له ثبات ، ومنه استعار المتكلمون قولهم : العرض لما لا ثبات له إلا بالجوهر كاللون والطعم ، وقيل للدنيا عرض حاضر تنبيها على أن لا ثبات لها ، ( " ألا وإن الآخرة " ) : قال الطيبي رحمه الله : حرف التنبيه هنا مقحم وما بعده معطوف على قوله : إن الدنيا قوبلت القرينة السابقة بقوله ألا وإن الآخرة ( " أجل " ) أي : مؤجل ( " صادق " ) أي : وقوعها ( ويقضي ) أي : يحكم ( فيها ملك قادر ) أي : مميز بين البر والفاجر والمؤمن والكافر بالثواب والعقاب قال الطيبي رحمه الله : الأجل الوقت المضروب الموعود ، وصفه بالصدق دلالة على تحققه وثباته وبقائه وقال الراغب : يستعمل التصديق في كل ما فيه تحقيق يقال : صدقني فعله وكتابه وفي المثل : صدقني سن بكره وصدق في القتال إذا وفى حقه ، وفعل على ما يحب وكما يحب ( ألا وإن الخير ) أي : أصحابه ( كله ) أي : جميع أصنافه ( بحذافيره ) أي : بجوانبه وأطرافه ( في الجنة ، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار ) الظاهر أن كلا من المعطوف والمعطوف عليه أتى بحرف التنبيه إشارة إلى استقلال كل من الجملتين خلافا لما سبق عن الطيبي رحمه الله فتدبر ( ألا فاعملوا ) أي : الخير ( وأنتم من الله على حذر ) أي : على خوف من وقوع شر ( واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم ) قال الطيبي رحمه الله : أي الأعمال معروضة عليكم من باب القلب كقولهم : عرضت الناقة على الحوض انتهى والأظهر أن معناه مقابلون بأفعالكم مجزيون على أعمالكم كعرض العسكر على الأمير ومنه قوله تعالى : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية على أنها تحتمل أن تكون على للعلة ، كما قال تعالى : لتكبروا الله على ما هداكم أو التركيب من قبيل علفت ماء وتبنا ، والتقدير معروضون علي مجازون على أعمالكم ، إن كان خيرا فخير أو كان شرا فشر ، ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) أي : جزاءه في إحدى الدارين ( ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قال السيوطي رحمه الله : الذرة النمل الأحمر الصغير ، وسئل ثعلب عنها فقال : إن مائة نملة وزن حبة ، وقيل : الذرة ليس لها وزن ، ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل في الكوة النافذة .




الخدمات العلمية