الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5218 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما طلعت الشمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان ، يسمعان الخلائق غير الثقلين : يا أيها الناس ! هلموا إلى ربكم ، ما قل وكفى خير مما كثر وألهى " رواهما أبو نعيم في ( الحلية ) .

التالي السابق


5218 - ( وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما طلعت الشمس إلا وبجنبتيها " ) بفتح الجيم والنون ويسكن ، وفتح الموحدة وسكون التحتية تثنية الجنبة ، وهي الناحية ، ففي المقدمة أنها بالتحريك ، وفي القاموس : الجنب والجانب والجنبة محركة شق الإنسان وغيره ، وجانبتا الأنف ، وجنبتاه ويحرك جنباه .

قال الطيبي رحمه الله : الواو للحال والاستثناء مفرغ من أعم عام الأحوال وقوله : ( ملكان ) يجوز أن يكون فاعل الجار والمجرور على رأي أو مبتدأ والجار والمجرور خبره انتهى ، وقوله : ( يناديان ) : حال أو استئناف ، أو صلة لقوله ملكان ، وقوله : ( يسمعان الخلائق غير الثقلين ) بدل مما قبله أو حال من ضميره أو بيان بعد بيان ، والظاهر حمل الأسماع للخليقة على الحقيقة ، ثم لعل السر لعدم إسماع الثقلين أن لا يرتفع التكليف بمعاينة الغيب ، كما حقق في قوله عليه الصلاة والسلام : " لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر " فإن قلت : فما فائدة النداء لغيرهما مع أنهما هما المحتاجان للتنبيه عن غفلة الأنباء ؟ قلت : فائدته أن يخبر الصادق المصدق بقوله ناقلا عما سمع بنفسه ، أو بما أخبر به الحق المطلق . ( يا أيها الناس ! هلموا ) أي : تعالوا ( إلى ربكم ) أي : أمره وحكمه ، أو انقطعوا إليه من غيره كما قال تعالى : ففروا إلى الله ، وتبتل إليه تبتيلا ( ما قل ) أي : من المال " وما " موصولة ( وكفى ) أي : في أمر الدنيا وزاد العقبى ( خير مما كثر ) أي : من المال ( وألهى ) أي : شغل عن المولى وحسن الحال وتحسين المال .

وقال الطيبي رحمه الله : يجور أن يكون الإسماع على الحقيقة ، وأن يكون على التنبيه عن الغفلة مجازا ، فمعنى يسمعان الخلائق غير الثقلين أنهما يقصدان بالإسماع الثقلين ، فيسمعان غيرهما ، ثم خص من الثقلين الإنسان بقوله : يا أيها الناس تنبيها على تماديهم في الغفلة ، وانهماكهم في الحرص ، وجمع حطام الدنيا حتى ألهاهم ذلك عن الإقبال إلى ذكر الله تعالى وعبادته ، فقيل لهم : إلى كم هذه الغفلة والإعراض عن ذكر الله ؟ هلموا إلى طاعة ربكم ما قل من المال ، ويكفيكم ولا يلهيكم خير مما كثر وألهى ، سمع هذا النداء من ألقى السمع وهو شهيد ، أولئك هم الذين أشار الله بذكرهم ورفع من منزلتهم في قوله : لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله الآية . ومعنى إسماع غير المكلفين كونها مسبحة لله منقادة لما يراد منها ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده انتهى . ولا يخفى أن صحة كلامه يحتاج إلى أن يقال التقدير غير عامة الثقلين ، والله تعالى أعلم . ( رواهما ) أي : الحديثين ( أبو نعيم في الحلية ) : وقد روى ابن حبان الأول في صحيحه .

[ ص: 3267 ]



الخدمات العلمية