الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( ومن عين ) بنذره لاعتكافه أو صلاته ( مسجدا غير ) المساجد ( الثلاثة ) أي المسجد الحرام ومسجد المدينة والأقصى ( لم يتعين ) لحديث أبي هريرة مرفوعا { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى } متفق عليه ولو تعين غيرها بالتعيين لزم المضي إليه واحتاج إلى شد الرحل لقضاء نذره ولأن الله تعالى لم يعين لعبادته مكانا في غير الحج ثم إن أراد الناذر الاعتكاف فيما عينه غيرها ، فإن كان قريبا فهو أفضل وإلا بأن احتاج لشد رحل خير عند القاضي وغيره وجزم بعضهم بإباحته واختاره الموفق في السفر القصير واحتج بخبر قباء وحمل النهي على أنه لا فضيلة فيه وحكاه في شرح مسلم عن جمهور العلماء ولم يجوزه ابن عقيل والشيخ تقي الدين

                                                                          ( و أفضلها ) أي المساجد الثلاثة المسجد ( الحرام ) وهو مسجد مكة ( فمسجد المدينة ) على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ( ف ) مسجد ( الأقصى ) لحديث أبي هريرة مرفوعا { صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } [ ص: 503 ] رواه الجماعة إلا أبا داود ( فمن نذر اعتكافا ، أو ) نذر ( صلاة في أحدها ) أي المساجد الثلاثة ( لم يجزئه ) اعتكاف ولا صلاة ( في غيره ) أي ما عينه لتعينه لذلك ( إلا ) أن يكون ما فعله فيه ( أفضل منه ) أي الذي عينه فيجزئه

                                                                          فمن نذر في الحرام لم يجزئه في غيره وفي الأقصى أجزأه في الثلاثة وفي مسجد المدينة أجزأه فيه وفي الحرام لا الأقصى لحديث جابر { أن رجلا قال يوم الفتح : يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس فقال : صل ههنا ، فسأله ، فقال : صل ههنا فسأله ، فقال : شأنك إذن } رواه أحمد وأبو داود ( ومن نذر ) اعتكافا ونحوه ( زمنا معينا ) كعشر رمضان الأخير مثلا ( شرع فيه قبل دخوله ) أي المعين فيدخل معتكفه قبل غروب شمس يوم العشرين لأن أول غروب الشمس ، كحلول ديون ووقوع عتق ، وطلاق معلقة به ( وتأخر ) عن الخروج ( حتى ينقضي ) بأن تغرب شمس آخر يوم منه نصا ليستوفي جميعه .

                                                                          ( و ) من نذر زمنا معينا صوما أو اعتكافا ونحوه ( تابع ) وجوبا ( لو أطلق ) فلم يقيد بالتتابع لا بلفظه ، ولا بنيته لفهمه من التعين

                                                                          ( و ) من ( نذر ) أن يصوم أو يعتكف ونحوه ( عددا ) من أيام غير معينة ( فله ) أي الناذر ( تفريقه ) أي العدد ولو ثلاثين يوما لأنه مقتضى اللفظ ، والأيام المطلقة توحد بدون تتابع ( ما لم ينو ) في العدد ( تتابعا ) فيلزمه كما لو نذر شهرا مطلقا ( ولا تدخل ليلة يوم نذر ) اعتكافه لأنها ليست منه .

                                                                          قال الخليل : اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ( ك ) ما لا يدخل ( يوم ليلة ) نذر اعتكافها لأن اليوم ليس من الليلة ( ومن نذر ) أن يعتكف ونحوه ( يوما لم يجز تفريقه بساعات من أيام ) لأنه يفهم منه التتابع كقوله " متتابعا " وإن قال في أثناء يوم : لله علي أن أعتكف يوما من وقتي هذا لزمه من ذلك الوقت إلى مثله من الغد لتعيينه ذلك بنذره

                                                                          وإن نذر أن يعتكف يوم يقدم فلان فبدأ ليلا لم يلزمه شيء وفي أثناء النهار اعتكف الباقي منه بلا قضاء ومع عذر يمنع الاعتكاف حال قدومه ، يقضي باقي اليوم ويكفر ( ومن نذر ) أن يعتكف ونحوه ( شهرا مطلقا ) فلم يعين كونه رمضان أو غيره ( تابع ) وجوبا ، لاقتضائه ذلك كما لو حلف لا يكلم زيدا شهرا ، وكمدة الإيلاء ونحوه ( ومن نذر ) أن يعتكف ونحوه ( يومين ) فأكثر متتابعة ( أو ) نذر أن يعتكف ونحوه ( ليلتين فأكثر ) [ ص: 504 ] كثلاثة أو عشر ( متتابعة لزمه ما بين ذلك ) أي الأيام ( من ليل ) إن كان النذر أياما ( أو ) ما بين الليالي من ( نهار ) إن كان المنذور ليالي ، تبعا لوجوب التتابع

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية