الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قوله تعالى : { بالله }

                                                                                                                                                                                                              وإن كان غاية أيمان الكفار على اعتقادهم الذي قدمنا ، فإنه غاية أيمان المسلمين ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت } . وهذا يفيد المنع من الحلف بغير الله .

                                                                                                                                                                                                              والحلف بغير الله على وجهين : أحدهما : على وجه التحريم ، بأن يحلف بغير الله سبحانه تعالى معظما له مع الله ، أو معظما له من دونه ; فهذا كفر .

                                                                                                                                                                                                              الثاني :

                                                                                                                                                                                                              أن يكون على وجه الكراهية ، بأن يلزم نفسه معنى مما يلزمه جنسه في الشرع ابتداء بوجه ما إذا ربطه بفعل أو ترك ، وهو معنى اتفقت عليه الأمة فيما إذا قال : إن دخلت الدار فامرأتي طالق ، أو عبدي حر ، فهذه يمين منعقدة ، وهي أصل لغيرها من الأيمان ، وقد تكررت في كتب الفقه وتركب عليها مسألة رابعة :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة : وهي : ما إذا قال : الأيمان تلزمه إن كان كذا وكذا . وقد كانت هذه اليمين في صدر الإسلام معروفة بغير هذه الصورة ; كانوا يقولون : علي أشد ما أخذه أحد على أحد ، فقال مالك : يطلق نساءه ، ثم تكاثرت الصور حتى آلت بين الناس إلى صورة هذه أمها .

                                                                                                                                                                                                              وقد كان شيخنا أبو بكر الفهري يقول : يلزمه إطعام ثلاثين مسكينا إذا حنث [ ص: 268 ] فيها ; لأن قوله : " الأيمان " جمع يمين ، وهو لو قال : علي يمين ، وحنث للزمته كفارة .

                                                                                                                                                                                                              ولو قال : علي يمينان للزمته كفارتان إذا حنث . والأيمان جمع يمين فيلزمه فيها ثلاث كفارات .

                                                                                                                                                                                                              وكان أهل القيروان قد اختلفوا فيها اختلافا كثيرا مرجعه إلى قولين : أحدهما : أن الطلاق فيها ثلاث . والثاني :

                                                                                                                                                                                                              أن الطلاق فيها واحدة بائنة .

                                                                                                                                                                                                              وقد جمعت في المسألة رسالة إبان كنت بإفريقية ، وقد كثر السؤال فيها علي ، فاستخرت الله سبحانه وتعالى على متوسط من الأقوال لم أخرج فيه عن جادة الأدلة ، ولا عن أصل إمام الأئمة مالك بن أنس .

                                                                                                                                                                                                              أما أصل مالك فقوله فيمن قال : علي أشد ما أخذ أحد على أحد . قال علماؤنا : يطلق نساءه ; وذلك لأن الناس كانوا في زمانه ، وقبل ذلك ، يحلفون في البيعة ويتوثقون فيما يحتاجون إليه من العهود في المحالفة ، ويدخلون في اليمين بالله اليمين بالعتق والطلاق والحج وغيره ; فلما سئل مالك عن هذه النازلة وأصحابه رأوا أن الحرج عليهم في أن يتركوا معه أزواجه محتبسين في النكاح ، ومما يأخذه الناس بعضهم على بعض الطلاق فتحرجوا في ذلك ، وقالوا : يطلق نساءه .

                                                                                                                                                                                                              وأما طريق الأدلة فلأن الألف واللام لا يخلو أن يراد بها هاهنا الجنس أو العهد ، فإن دخلت للعهد فالمعهود قولك بالله ، فيكون ما قاله الفهري . وإن دخلت للجنس فالطلاق جنس ، فيدخل فيها ولا يستوفى عدده ; فإن الذي يكفي أن يدخل من كل جنس معنى واحد ، فإنه لو دخل في الجنس المعنى كله للزمه أن يتصدق بجميع ماله ; إذ قد تكون الصدقة بجميع المال يمينا ، ونافذة فيما إذا كان المال معينا في دار أو عبد أو دابة أو كبش وتصدق بذلك فإنه ينفذ إجماعا ; فتبصرنا ذلك ، وأخذنا [ ص: 269 ] بالوسط منه ، وقد بسطنا ذلك في الرسالة الحاكمة على الأيمان اللازمة ، وهناك يستوفي الناظر غرضه منها ، والله عز وجل أعلم ، وبه التوفيق .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية