الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        الرابع : في حكمه قال قاضي خان في فتاويه اتفق أصحابنا في الروايات الظاهرة أن الماء المستعمل في البدن لا يبقى طهورا ا هـ .

                                                                                        وقال في الهداية : أنه لا يزيل الأحداث قال الشارحون : إن هذا حكمه وقالوا : قيد بالأحداث لما أنه يزيل الأنجاس على ما روى محمد عن أبي حنيفة أن الماء المستعمل طاهر غير طهور ; لأن إزالة النجاسة الحقيقية تجوز بالمائعات عند أبي حنيفة صرح به القوام الأتقاني والكاكي في المعراج وصاحب النهاية وغيرهم هذا ، وإن كان الماء المستعمل طاهرا عند محمد لكن لا تجوز به إزالة النجاسة الحقيقية عنده ; لأن عنده لا يجوز إزالتها إلا بالماء المطلق وقد قدمنا أن الماء المستعمل ليس بمطلق وبهذا يندفع ما توهمه بعض الطلبة في عصرنا أن الماء المستعمل يزيل الأنجاس عند محمد لما أنه يقول بطهارته ، فهو حفظ شيئا وغابت عنه أشياء واندفع أيضا ما توهمه بعض المشتغلين أن الماء المستعمل لا يزيل الأنجاس اتفاقا لما أنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف نجس فلا يزيل ومحمد ، وإن كان يقول بطهارته فعنده لا يزيل إلا الماء المطلق كما قدمناه ; لأنه حفظ رواية النجاسة عن أبي حنيفة ونسي رواية الطهارة عنه التي اختارها المحققون وأفتوا بها .

                                                                                        وذكر في المجتبى عن القدوري وشرح الإرشاد وصلاة الجلالي أنه يجوز إزالة النجاسة بالماء المستعمل على الرواية الظاهرة .

                                                                                        وما ذكرنا من حكمه عندنا ، فهو مذهب الشافعي وأحمد ورواية عن مالك ، وذهب الزهري ومالك والأوزاعي في أشهر الروايتين عنهما وأبو ثور إلى أنه مطهر واختاره ابن المنذر واحتجوا بقوله تعالى { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } ; لأن الطهور ما يطهر غيره مرة بعد أخرى ، ويحتج لأصحابنا ومن تبعهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم احتاجوا في مواطن من أسفارهم الكثيرة إلى الماء ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى ، فإن قيل تركوا الجمع ; لأنه لا يجتمع منه شيء ، فالجواب أن هذا لا يسلم ، وإن سلم في الوضوء لا يسلم في الغسل ، فإن قيل لا يلزم من عدم جمعه منع الطهارة به ; ولهذا لم يجمعوه للشرب والطبخ والعجن والتبرد ونحوها فالجواب أن ترك جمعه للشرب ونحوه للاستقذار ، فإن النفوس تعافه للعادة ، وإن كان طاهرا كما { استقذر النبي صلى الله عليه وسلم الضب وتركه فقيل أحرام هو قال ولا ولكني أعافه } ، وأما الطهارة مرة ثانية ، فليس فيه استقذار فتركه يدل على امتناعه ، وأما الجواب عن احتجاجهم فيعلم مما قدمناه في أول بحث المياه من أن الطهور ليس هو المطهر لغيره فضلا عن التكرار ، وبما ذكرناه اندفع ما ذكره صدر الشريعة بقوله ، ونحن نقول لو كان طاهرا لجاز في السفر الوضوء به ثم الشرب ، ولم يقل أحد بذلك ا هـ .

                                                                                        لما علمت أن عدم شربه للاستقذار مع طهارته لا لعدمها

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية