الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
والتعريف في حق الغائب والميت بما يمتاز به عن [ ص: 170 ] غيره فإذا كان تمام الامتياز بما قلنا كان على الكاتب أن يكتب ذلك ، ويكنيه في الكتاب أيضا إن كان معروفا بكنيته ، وإن كان له لقب لا يغيظه ذلك ، ولا يشينه يذكر ذلك أيضا لزيادة التعريف فأما ذكر الصناعة ذكر الطحاوي عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه لا يعتبر ذلك في التعريف ; لأنه قد يتحول من صناعة إلى صناعة قال الطحاوي رحمه الله : وأما نحن فنعتبر ذلك كما اعتبر المالك في حق المكاتب للتعريف أن يكتب مكاتب فلان وقد يتحول منه إلى العتق ، ولكنا نقول : مراد أبي حنيفة رحمه الله مما قال : ليس ما ذكره الطحاوي رحمه الله بل مراده أنه ليس المقصود بالصناعات التعريف فلا يذكر ذلك عند التعريف ، وإنما يذكر ما يكون المقصود به التعريف ، وهو الاسم والنسب وأما كتبه الحلية فهو حسن للمبالغة في التعريف ، ولكن لا يحصل به أصل التعريف ; لأن الحلية تشبه الحلية كما أن النعمة تشبه النعمة .

ثم قال : اشترى منه جميع الدار في بني فلان ، وإنما أعاد لفظة الشراء ; لأن من عادة أهل اللسان أنه إذا تخلل بين الخبر والمخبر عنه كلام آخر فإنه يعاد الخبر للتأكيد ، وقوله : جميع الدار للتأكيد أيضا فإن المقصود يحصل بقوله : الدار التي في بني فلان ، ولكن يتوهم أن يكون المراد بعضها فذكر الجميع لقطع هذا الوهم ثم كما لا بد من تعريف المتعاقدين لا بد من تعريف المشترى ، وتعريف المشترى إذا كان محدودا بذكر الحدود والبلدة إلا أن في ظاهر الرواية عندنا يبدأ بالأعم من ذلك ، وهو ذكر البلدة ثم المحلة ثم الحدود وأبو زيد البغدادي رحمه الله يذكر في شروطه أن الأحسن أن يبدأ بالأخص من ذلك ثم يترقى إلى الأعم بمنزلة التعريف بالنسب فإنه يبدأ باسمه ; لأنه أخص به ثم باسم أبيه ثم باسم جده ولكنا نقول : العام يعرف بالخاص والخاص لا يعرف بالعام فكانت البداية بالأعم أحسن لهذا المعنى .

وفي الحقيقة لا فرق بين هذا وبين النسب ، فإن هناك يبدأ باسمه ; لأن ذلك أعم ، فالمسمى بذلك الاسم يكثر في الناس عادة ثم بذكر اسم أبيه يصير أخص به ثم بذكر اسم جده يصير أخص فكذلك يبدأ بذكر البلدة ثم بذكر المحلة ليصير أخص ثم بذكر الحدود .

وإذا ذكر الحدود فالأحسن أن يقول : أحد حدودها ينتهي إلى كذا ، وبعض أهل الشروط يكتب : أحد حدودها لزيق كذا أو يلاصق كذا ، وإنما ذكروا هذه الألفاظ ; لأنه لو كتب : أحد حدودها دار فلان ثم كتب اشتراها بحدودها دخلت الحدود في البيع .

وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة أنه لا بأس بأن يكتب : أحد حدودها الداخلة أو الطريق العام ثم يكتب : اشتراها بحدودها ; لأنه لا يسبق إلى وهم أحد بهذا اللفظ لشراء الدجلة [ ص: 171 ] وما يدخل تحت البيع ، وقد روي عن محمد رحمه الله أنه استحسن في آخر عمره أن يكتب : أحد حدودها يلي كذا ، ولكن ما ذكرنا أحسن ; لأن الشيء قد يلي الشيء ، وإن كان لا يتصل به قال عليه السلام { ليليني منكم أولو الأرحام والنهى } ، والمراد به : القرب دون الاتصال فإذا قلنا : ينتهي إلى كذا أو يلاصق كذا يفهم الاتصال من هذا اللفظ لا محالة .

ثم ذكر الحدود الأربعة للتحرز عن الاختلاف وقد قال بعض العلماء رحمهم الله : إن التعريف يحصل بذكر حد واحد ، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يحصل بذكر حدين وعندنا يحصل بذكر ثلاث حدود وعلى قول زفر لا يحصل إلا بذكر الحدود الأربعة ، وقد بينا هذا في الشهادات والكتاب يكتب على أحوط الوجوه ويتحرز فيه عن مواضع الخلاف فلهذا يكتب فيه الحدود الأربعة ثم قال : اشترى منه هذه الدار المحدود في كتابنا هذا ، ومن أهل الشروط من يقول : الأحسن أن يقول في هذا الكتاب هو اختيار هلال وأبي يوسف بن خالد رحمهما الله ; لأنه إذا قال في كتابنا : فظاهره يوهم أن الكتاب مشترك بينهما فربما يحول البائع بين المشتري وبين الكتاب احتجاجا بهذا اللفظ ، ولكنا نقول : هذا مما لا يسبق إلى الأوهام ، واللفظ المذكور في الكتاب أقرب إلى موافقة كتاب الله تعالى { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } ثم قال بحدودها كلها .

وعن أبي يوسف ومحمد رحمه الله قال : لا أرى أن يكتب بحدودها ; لأن الحد غير المحدود ، والمشترى المحدود دون الحد فإذا قال : اشتراها بحدودها دخل في العقد الحدود التي تسمى ، ولكنا نقول : قد ذكرنا أنه إذا كتب : أحد حدودها ينتهي إلى كذا فقوله : اشتراها بحدودها ينصرف إلى المنتهي دون المنتهى إليه والمنتهي داخل في العقد فيستقيم أن يكتب اشتراها بحدودها ، وعلى ما قاله أبو حنيفة إذا كانت الحدود مما لا يدخل تحت العقد فلا يسبق إلى وهم أحد ذلك فيكتب اشتراها بحدودها كلها وأرضها وبنائها وسفلها وعلوها ، ومن أصحاب الشروط من يختار سفله وعلوه ، وقال : السفل والعلو للبناء لا للدار فالأحسن أن يكتب : ومنها سفله وعلوه ; لأن البناء مذكور لكن الأول أحسن ; لأنه ربما يكون في الأرض سرداب ، فإذا قال : سفله وعلوه لا يدخل السرداب ; لأن ذلك ليس ببناء والبناء ما يكون على الأرض ، فإذا قال : سفلها وعلوها دخل جميع ذلك فإن قيل : إذا قال : سفلها وعلوها يدخل الهواء في ظاهر هذا اللفظ ، وبيع الهواء لا يجوز فيفسد به العقد قلنا : هذا لا يسبق إليه وهم أحد ويعلم أن المراد ما يدخل تحت العقد دون ما لا يدخل فيه

التالي السابق


الخدمات العلمية