الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              4770 [ ص: 342 ] 596 \ 4602 - عن أبي مريم -وهو قيس الثقفي المدائني، وقد سمع من علي رضي الله عنه- قال : إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد، يجالسه بالليل والنهار ، وكان فقيرا، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي رضي الله عنه مع الناس ، وقد كسوته برنسا لي ، قال أبو مريم : وكان المخدج يسمى نافعا ذا الثدية ، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي وعليه شعيرات مثل سبالة السنور .

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وقد روى مسلم في "صحيحه"، عن جابر بن عبد الله قال: أتى رجل [رسول الله] صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس.

                                                              فقال: يا محمد اعدل، فقال: ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، دعني يا رسول الله أقتل هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية
                                                              .

                                                              وروى البخاري هذا الحديث مختصرا، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة، إذ قال له رجل: اعدل، فقال: لقد شقيت، إن لم أعدل .

                                                              والصواب في هذا: فتح التاء من: " خبت وخسرت "، والمعنى: أنك إذن خائب خاسر، إن كنت تقتدي في دينك بمن لا يعدل، وتجعله بينك وبين الله، ثم تزعم أنه ظالم غير عادل.

                                                              ومن رواه بضم التاء لم يفهم معناه هذا.

                                                              [ ص: 343 ] وفي "الصحيحين"، عن أبي سعيد قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة - وهو رجل من بني تميم - فقال: يا رسول الله اعدل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك! من يعدل إذا لم أعدل ؟! قد خبت وخسرت إن لم أعدل! فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ائذن لي فيه أضرب عنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، [ق261] وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء - وهو القدح -، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، - أو مثل البضعة-، تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس، قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس، فوجد فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت .

                                                              زاد البخاري فنزلت : ومنهم من يلمزك في الصدقات .

                                                              وفي رواية المستملي : على خير فرقة من الناس .

                                                              [ ص: 344 ] وفي "الصحيحين"، عن أبي سعيد أيضا : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحالق، قال: هم شر الخلق ، أو من شر الخلق - يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق، قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم مثلا أو قال قولا: الرجل يرمي الرمية، -أو قال الغرض-، فينظر في النصل، فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة .

                                                              وفي لفظ آخر عنه في هذا الحديث: تكون في أمتي فرقتان، فتخرج بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق . وفي آخر : تمرق مارقة في فرقة من الناس، يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق . وفي آخر : تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق .

                                                              وفي آخر: يخرجون على فرقة مختلفة، يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق .

                                                              [ ص: 345 ] وفي "صحيح البخاري" عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يخرج ناس من قبل المشرق، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، حتى يعود السهم إلى فوقه، قيل: فما سيماهم ؟ قال التحليق أو قال: التسبيد" .

                                                              وفي "الصحيحين" - واللفظ لمسلم -، عن عبيد الله بن أبي رافع: أن الحرورية لما خرجت - وهو مع علي بن أبي طالب - قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا، -إني لأعرف صفتهم في هؤلاء - يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم (وأشار إلى حلقه ، من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طبي شاة، أو حلمة ثدي، فلما قتلهم علي ، قال: انظروا، فنظروا، فلم يجدوا شيئا، فقال ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت - مرتين أو ثلاثا - ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم، وقول علي فيهم .

                                                              وفي "صحيح مسلم"، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن بعدي من أمتي، - أو سيكون بعدي من أمتي -، قوم يقرءون [ ص: 346 ] القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة .

                                                              قال ابن الصامت: فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم الغفاري ، قلت: ما حديث سمعته من أبي ذر كذا وكذا - فذكرت له هذا الحديث-؟ فقال: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                              وفي "الصحيحين"، عن يسير بن عمرو قال: سألت سهيل بن حنيف: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج ؟ فقال: سمعته يقول - وأشار بيده نحو المشرق - قوم يقرءون القرآن بألسنتهم، لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية .

                                                              وفي لفظ آخر عنه: يتيه قوم من قبل المشرق محلقة رءوسهم .

                                                              وفي "صحيح البخاري"، عن ابن عمر - وذكر الحرورية - فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : يمرقون من الإسلام، مروق السهم من الرمية .

                                                              قال الإمام أحمد: صح الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج من عشرة أوجه، وهذه هي العشرة التي ذكرناها، وقد استوعبها مسلم في "صحيحه"، والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية