الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وكل هدي أو إطعام ، فهو لمساكين الحرم إن قدر على إيصاله إليهم إلا فدية الأذى واللبس ونحوها إذا وجد سببها في الحل ، فيفرقها حيث وجد سببها . ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر ، وأما الصيام ، فيجزئه بكل مكان وكل دم ذكرناه يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( وكل هدي أو إطعام ) متعلق بالحرم أو الإحرام ( فهو لمساكين الحرم إن قدر على إيصاله إليهم ) لقوله - تعالى - هديا بالغ الكعبة [ المائدة : 95 ] وقوله ثم محلها إلى البيت العتيق [ الحج : 33 ] ويجب نحره بالحرم ، ويجزئ جميعه قال : أحمد : مكة ومنى واحد ، واحتج الأصحاب بما رواه أحمد وغيره في رواية أسامة بن زيد التي عن جابر مرفوعا : كل فجاج مكة طريق ومنحر وفي " الفروع " توجيه : لا ينحر في الحج إلا بمنى ، ولا في العمرة إلا بمكة ، ويجب تفرقة لحمه بالحرم أو إطلاقه لمساكينه ; لأنه مقصود كالذبح ، والتوسعة عليهم مقصودة ، فلو سلمه للفقراء سليما فذبحوه أجزأ ، وإلا استرده ، ونحره ، فإن أبى أو عجز ضمنه ، والطعام كالهدي لقول ابن عباس " الهدي والإطعام بمكة ، ولأنه نسك يتعدى نفعه إلى المساكين فاختص بهم كالهدي ، ومساكين الحرم من له أخذ الزكاة مقيما كان أو مجتازا من الحاج وغيرهم فإن بان بعد الدفع غناه فكالزكاة ، وما جاز تفريقه لم يجز دفعه إلى فقراء الذمة كالحربي ، وهل يجوز أن يغدي المساكين أو يعشيهم إن جاز في كفارة اليمين ؛ فيه احتمالان فإن تعذر إيصاله إلى فقراء الحرم فالأظهر أنه يجوز ذبحه ، وتفريقه في غيره لقوله - تعالى - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 286 ] ( إلا فدية الأذى واللبس ونحوها ) كالتقليم ، والطيب ( إذا وجد سببها في الحل فيفرقها حيث [ ص: 190 ] وجد سببها ) ; لأنه - عليه السلام - أمر كعبا بها بالحديبية ، وهي في الحل ، واشتكى الحسين بن علي رأسه فحلقه علي ، ونحر عنه جزورا بالسقيا . رواه مالك ، وعن أحمد في الحرم ، وقاله الخرقي : في غير الحلق ; لأنه الأصل خولف فيه لما سبق ، واعتبر في " المجرد " و " الفصول " العذر في المحظور ، وإلا فغير المعذور كسائر الهدي ، وعنه : في جزاء الصيد حيث قتله كحلق الرأس ، وهي ضعيفة لمخالفة الكتاب .

                                                                                                                          فرع : وقت ذبحه حين فعله ، وله الذبح قبله لعذر ككفارة قتل الآدمي .

                                                                                                                          ( ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر ) من حل أو حرم ، نص عليه ; لأنه - عليه السلام - لما أحصر هو وأصحابه بالحديبية نحروا هديهم وحلوا ، ولأنه موضع تحلله فكان موضع ذبحه كالحرم ، لكن إن كان قادرا على أطراف الحرم فوجهان ، وعنه : ليس للمحصر نحر هديه إلا في الحرم فيبعثه إلى الحرم ، ويواطئ رجلا على نحره في وقت تحلله روي عن ابن مسعود ; لأنه أمكنه النحر في الحرم أشبه ما لو حصر فيه ، وحمله في " المغني " على ما إذا كان حصره خاصا ، وأما الحصر العام فلا ، وقوله ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله [ البقرة : 196 ] وقوله ثم محلها إلى البيت العتيق [ الحج : 33 ] في المحصر ، ولا يمكن قياسه عليه ; لأن تحلل المحصر من الحل ، وتحلل غيره من الحرم فكل ينحر في موضع تحلله .

                                                                                                                          ( وأما الصيام ) والحلق وهدي تطوع ، ذكره القاضي وغيره ، وما سمي نسكا ( فيجزئه بكل مكان ) لا نعلم فيه خلافا لقول ابن عباس : الصوم حيث شاء لعدم تعدي نفعه ، ولا معنى لتخصيصه بمكان بخلاف الهدي [ ص: 191 ] ( وكل دم ذكرناه يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة ) لقوله - تعالى - : فما استيسر من الهدي [ البقرة : 196 ] قال ابن عباس : شاة أو شرك في دم ، وفسر - عليه السلام - النسك في خبر كعب بذبح شاة ، والباقي مقيس ، فإن اختار ذبح بدنة أو بقرة فهو أفضل ; لأنه أوفر لحما ، وأنفع للفقراء ، ويلزمه كلها اختاره ابن عقيل كما لو اختار الأعلى من خصال الكفارة ، وقيل : سبعها ، والباقي له أكله ، والتصرف فيه كذبح سبع شياه ، وهو كالأضحية ، نص عليه ، فلا يجزئ ما لا يضحى به .




                                                                                                                          الخدمات العلمية