الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والثاني : الخلوة ممن يمكن الوطء بمثله ، فإن كان ثم مانع إما حسي كالجب والرتق أو شرعي [ ص: 330 ] كالإحرام والحيض ، فهل يقرر المهر ؟ على طرق للأصحاب :

أحدهما : أن في المسألة روايتين مطلقتين وهي طريقة القاضي في الجامع وصاحب المحرر وكذا لصاحب المغني ، إلا أنه أورد رواية ثالثة بالعوض بين المانع المتأكد شرعا كالإحرام وصيام رمضان ففيه روايتان ، وإن كان لا يمنع الدواعي كالحيض والجب والرتق استقر رواية واحدة ، وهي طريقة القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول ، والثالثة : إن كانت الموانع بالزواج استقر الصداق رواية واحدة ، وإن كانت بالزوجة فهل يستقر ؟ على روايتين وهي طريقة القاضي في خلافه .

ومن الأصحاب من حكى رواية أخرى أنه لا يستقر المهر بالخلوة لمجردها بدون الوطء أخذا مما روي يعقوب بن بختان عن أحمد إذا خلا بها وقال لم أطأها وصدقته إن لها نصف الصداق وعليها العدة ، وأنكر الأكثرون هذه الرواية وحملوا رواية يعقوب هذه على وجه آخر وهو أن الخلوة إنما قررت المهر ; لأنه مظنة الوطء المقرر فقامت مقامه في التقرير ; لأن حقيقة الوطء لا يطلع عليه غالبا فعلق الحكم على مظنته ، فإذا تصادق الزوجان على انتفاء الحقيقة التي هي الوطء لم يقبل ذلك في إسقاط العدة ; لأن فيها حقا لله تعالى ، وهل يقبل في سقوط نصف المهر ؟ على روايتين ، نقل ابن بختان قوله ; لأنه حق محض للزوجة ، وقد أقرت بسقوطه ، ونقل الأكثرون عدم قبوله لملازمته للعدة وهذا يرجع إلى أن الخلوة مقررة لمظنة الوطء ، ومن الأصحاب من قال إنما قررت لحصول التمكين بها وهي طريقة القاضي ، وردها ابن عقيل بأن الخلوة مع الجب لا تمكين بها ، قال : وإنما قررت لأحد أمرين إما لإجماع الصحابة وهو حجة ، أو ; لأن طلاقها بعد الخلوة بها وردها زهدا فيها ، ففيه ابتذال وكسر لها ، فوجب جبره بالمهر ، وقيل بل المقرر هو استباحة ما لا يستباح إلا بالنكاح من المرأة فدخل في ذلك الخلوة واللمس بمجردهما ; لأن ذلك كله معقود عليه في النكاح ، والمهر يستقر بنيل بعض المعقود عليه لا يقف على نيل جميعه ، وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية حرب ، قيل له : فإن أخذها وعندها نسوة فمسها وقبض عليها ونحو ذلك من غير أن يخلو بها ؟ قال : إذا نال منها شيئا لا يحل لغيره فعليه المهر .

وعلى هذا فقال الشيخ تقي الدين : يتوجه أن يستقر المهر بالخلوة وإن منعه الوطء ، بخلاف ما ذكره ابن حامد والقاضي والأصحاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية