الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1118 [ 574 ] وعن أنس قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع . قلت : كم أقام بمكة ؟ قال : عشرا .

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 187 و 282)، والبخاري (1081)، ومسلم (693) (15)، وأبو داود (1233)، والترمذي (548)، والنسائي (3 \ 121)، وابن ماجه (1077) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول أنس " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عشرا يصلي ركعتين ركعتين " تمسك [ ص: 333 ] به بعض من قال : إن المسافر إذا نوى إقامة عشرة أيام قصر ، فإن نوى زيادة عليها أتم - وهو مروي عن علي وابن عباس في أحد قوليه .

                                                                                              وقد كثر اختلاف الناس في هذه المسألة ; فقيل عن ربيعة : إذا نوى إقامة يوم وليلة أتم . وروي عن سعيد بن المسيب : إذا نوى إقامة ثلاثة أيام أتم . وروي عن جمهور أئمة الفتوى : إذا نوى إقامة أربعة أيام بلياليها أتم . وروي عن أحمد وداود : إذا نوى زيادة على أربعة ، ويقصر في الأربعة . وروي : زيادة على عشرة عن من ذكرنا . وروي : اثنا عشر عن ابن عمر في أحد قوليه ، وعن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب . وروي عن الأوزاعي : ثلاثة عشر - وهو قول الكوفيين . وروي عن الليث أنه إذا زاد على خمسة عشر يوما أتم . وروي عن ابن عباس : يتم فيما زاد على سبعة عشر . وروي : تسعة عشر . وروي عن أحمد : يقصر إذا نوى إقامة أحد وعشرين ، ويتم فيما زاد اعتمادا على إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، فإنه خرج صبيحة الثامن من يوم التروية . وقال داود : في عشرين صلاة ، ويتم إذا زاد - ونحو هذا لابن الماجشون .

                                                                                              وروي عن الحسن أنه يقصر أبدا ، إلا أن يقدم مصرا من الأمصار . قال القاضي عياض : وأكثر اختلافهم في هذا مبني على مدة إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقصيره في حجته ; فإنه دخل مكة صبح رابعة من ذي الحجة وخرج صبح أربعة عشر على ما تظاهرت به الروايات ، لكن بعض شيوخنا قال : كان شارفمكة في اليوم الثالث فقصر عنها ، وبات بذي طوى حتى صلى الصبح ، ثم دخل نهارا - والنهار لا اعتداد [ ص: 334 ] به عند العرب إذا انقضت ليلته - فأقام بها اليوم الخامس والسادس والسابع ، وخرج بعد تمام ثلاث كما شرع ، فلم يقم بمكة أكثر من ثلاث ، وخرج إلى منى للنظر في حجه ، وهو فيه في حكم المسافر حتى أكمله ، ثم عاد إلى المدينة ، فجاء هذا موافقا لمذهبنا في أن ثلاثة أيام ليست بإقامة .

                                                                                              واختلف في إقامته بمكة زمن الفتح ; فروي عن ابن عباس خمس عشرة وسبع عشرة وتسع عشرة ، وعن عمران بن حصين ثماني عشرة .

                                                                                              قلت : والأشبه في هذه الأقوال قول الجمهور ومالك وغيره ; لأنه يعتضد بإباحة النبي - صلى الله عليه وسلم - المقام للمهاجر بمكة ثلاثا ، فإنه أبقى عليه فيها حكم المسافر ، ومنعه من مقام الرابع فحكم له فيه بمقام الحاضر القاطن ، فكان ذلك أصلا معتمدا . وأما ما استدل به غير هذا من إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة في الفتح وفي حجته وكم أقام في الطائف فلا حجة فيه ; لما في تلك الروايات من الاضطراب الكثير ، ولأنه يمكن أن يقال في كل واحد منها إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أقام تلك المدة فقصر لأنه لم يجمع في نيته على إقامة أربعة أيام بلياليها ، والله أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية