الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وذكره لهذه الأصول في خطبة يوم الجمعة وغيرها من قواعد الإسلام وأصول الإيمان ، بل ذكره لهذا الكلام بعد قوله : «أما بعد » -كما رواه جابر وغيره- دليل على أن هذا هو جماع الدين كما قررناه أولا ، فإنه بعد الحمد والشهادتين يقول : «أما بعد ، فإن أصدق الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة » . فعلم بذلك كمال موقع هذا الكلام من الدين ، وذلك لأنه مشتمل على أصلي الإيمان : شهادة أن لا إله إلا الله ، وشهادة أن محمدا رسول الله ، على الإيمان بالله ورسله . ولكن بين فيه جماع أمور الدين ، فإنها نوعان : قول وعمل ، كما قال عبد الله بن مسعود : إنما هما شيئان : الكلام والهدي .

والهدي : القصد والعمل ، يقال : هدى يهدي هديا ، كما يقال : مشى يمشي مشيا ، وسعى سعيا ، ويقال : هدى غيره يهديه هدى . ومن الأول قوله : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [الأعراف :159] ، وقوله : وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [الأعراف :181] . ومنه قوله : أمن لا يهدي إلا أن يهدى [يونس :35] على قراءة من قرأ [ ص: 214 ] «يهدي » على أحد القولين . والهدي من هدى يهدي مثل الدل من دل يدل ، ومنه الحديث المأثور في السنن : «الهدي الصالح والاقتصاد والسمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة » . ومنه قول حذيفة : كان عبد الله بن مسعود يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته . وكان علقمة يشبه بعبد الله في هديه ودله وسمته ، وكان إبراهيم يشبه بعلقمة في هديه ودله وسمته ، وكان منصور يشبه بإبراهيم في هديه ودله وسمته ، وكان سفيان يشبه بمنصور في هديه ودله وسمته ، وكان وكيع يشبه بسفيان في هديه ودله وسمته ، وكان أحمد بن حنبل يشبه بوكيع في هديه ودله وسمته .

وذلك لأن المهتدي لا بد له من شيئين : من غاية يقصدها ، ومن عمل إلى تلك الغاية . وكل إنسان فله قصد وعمل ، فإن أصدق الأسماء الحارث وهمام ، سواء كان قصده صوابا أو خطأ ، وسواء سعى إليه أو لم يسع . فمن لم يقصد الحق أو قصده ولم يعمل لمقصوده فليس بمهتد ، بخلاف من قصده وعمل له فإنه مهتد بالحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية