الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                453 454 [ ص: 107 ] ص: وإن احتجوا في ذلك بما حدثنا يونس ، قال: نا معن بن عيسى ، عن عبد الله بن المؤمل المخزومي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده: " : أن بسرة سألت النبي - عليه السلام - فقالت: المرأة تضرب بيدها فتصيب فرجها. قال: تتوضأ يا بسرة". .

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: نا الخطاب بن عثمان الفوزي ، قال: نا بقية ، عن الزبيدي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ". .

                                                قيل لهم: أنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئا، وإنما حديثه عنه عن صحيفة، فهذا على قولكم منقطع، والمنقطع لا تجب به حجة عندكم.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وإن احتج أهل المقالة الأولى، فيما ذهبوا إليه بحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، عن بسرة، عن النبي - عليه السلام - وبحديثه عن أبيه، عن جده، عن النبي - عليه السلام -؛ فجوابه أن يقال: إنكم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئا وإنما حديثه عنه عن صحيفة؛ فيكون منقطعا، والمنقطع لا تقوم به [1\ق124-ب] حجة عندكم، وقال ابن المديني: عن يحيى بن سعيد: حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده عندنا واه.

                                                وقال عباس الدوري: عن يحيى بن معين: إذا حدث عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده فهو كتاب، هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو يقول: أي عن جدي، فمن هاهنا جاء ضعفه. أو نحو هذا من الكلام.

                                                وقال ابن عدي: عمرو بن شعيب في نفسه ثقة إلا إذا روى عن أبيه، عن جده، عن النبي - عليه السلام - يكون مرسلا.

                                                لأن جده عنده: محمد بن عبد الله بن عمرو لا صحبة له، وتردد ابن حبان في عمرو وذكره في الضعفاء فقال: إذا روى عن طاوس وابن المسيب وغيرهما من الثقات غير أبيه فهو ثقة يجوز الاحتجاج به، وإذا روى عن أبيه عن جده ففيه مناكير كثيرة فلا يجوز [ ص: 108 ] الاحتجاج بذلك، قال: فإذا روى عن أبيه عن جده؛ فإن شعيبا لم يلق عبد الله، فيكون خبره منقطعا.

                                                وإن أراد بجده الأدنى فهو محمد لا صحبة له فيكون مرسلا.

                                                وقال الحافظ المزي: عمرو بن شعيب على ثلاثة أوجه:

                                                عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ، فعمرو له ثلاثة أجداد: محمد ، وعبد الله ، وعمرو بن العاص .

                                                محمد تابعي، وعبد الله وعمرو صحابيان، فإن كان المراد بجده محمدا فالحديث مرسل لأنه تابعي، وإن كان المراد به عمرا فالحديث منقطع؛ لأن شعيبا لم يدرك عمرا، وإن كان المراد به عبد الله فنحتاج إلى معرفة سماع شعيب من عبد الله .

                                                فإن قيل: قال البخاري في تاريخه: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص سمع أباه وسعيد بن المسيب وطاوسا. فكيف يقول الطحاوي وأنتم تزعمون أن عمرو بن شعيب لم يسمع من أبيه شيئا؟ ولهذا شنع البيهقي في "المعرفة" على الطحاوي بسبب هذا الكلام.

                                                وقال: الخلاف في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، ثم قال: وقد صح سماع عمرو بن شعيب من أبيه، وصح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو .

                                                قلت: الطحاوي نفسه قائل بأن عمرو بن شعيب سمع من أبيه؛ ولهذا يحتج به في كثير من المواضع، وإنما ذكر ما ذكره ناقلا عن بعض طائفة من الخصوم أنهم قالوا: إنه لم يسمع من أبيه شيئا، وأراد به إلزامهم بذلك؛ لأنه إذا لم يكن سمع من أبيه يكون حديثه منقطعا، فكيف يجوز الاحتجاج به مع دعواهم بذلك؟! فسقط بذلك تشنيع البيهقي أيضا.

                                                فإن قلت: إذا كان الطحاوي يحتج بحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده فما باله لم يعمل بحديثه هذا؟

                                                [ ص: 109 ] قلت: لأنه قد عارضه حديث طلق بن علي، فلم يكن ليعمل به لتأخر حديث طلق عنه فيثبت بذلك انتساخ أحاديث انتقاض الوضوء من مس الفرج.

                                                فإن قيل: حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في هذا الباب ناسخ لحديث طلق بن علي؛ لأن طلقا قدم على النبي - عليه السلام - في ابتداء الهجرة والمسجد على عرش، وأبو هريرة أسلم سنة ست من الهجرة فكان حديثه متأخرا، والأخذ بآخر الأمرين واجب لأنه ناسخ، والطبراني أيضا مال إلى أن حديث طلق منسوخ.

                                                قلت: روى أبو داود: عن قيس بن طلق ، عن أبيه قال: "قدمنا على نبي الله - عليه السلام - فجاءه رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ فقال: هل [هو] إلا مضغة منه أو بضعة منه".

                                                ففي قوله: "ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ" دلالة على أنه كان بلغه أن النبي - عليه السلام - شرع فيه الوضوء، فأراد أن يستيقن ذلك، وإلا فالمستقر عندهم أن الأحداث إنما كانت من الخارج النجس، وإلا فالعقل لا يهدي إلى أن مس الذكر يناسب نقض الوضوء، فعلى هذا يكون حديث طلق هو آخر الأمرين، ويكون أبو هريرة قد سمعه من بعض الصحابة ثم أرسله.

                                                وجواب آخر أن دعوى النسخ إنما تصح بعد ثبوت صحة الحديث، ونحن لا نسلم صحة حديث أبي هريرة؛ فافهم.




                                                الخدمات العلمية