الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          111 - مسألة : ولا يجزئ الوضوء إلا بنية الطهارة للصلاة فرضا وتطوعا لا يجزئ أحدهما دون الآخر ولا صلاة دون صلاة . برهان ذلك الآية المذكورة . لأن الله تعالى لم يأمر فيها بالوضوء إلا للصلاة على عمومها ، لم يخص تعالى صلاة من صلاة فلا يجوز تخصيصها ، ولا يجزئ لغير ما أمر الله تعالى به . وقال أبو حنيفة : يجزئ الوضوء والغسل بلا نية وبنية التبرد والتنظف . كان حجتهم أن قالوا : إنما أمر بغسل جسمه أو هذه الأعضاء فقد فعل ما أمر به ، وقالوا : قسنا ذلك على إزالة النجاسة فإنها تجزئ بلا نية ، ومن قولهم : إن التيمم لا يجزئ إلا بنية . وقال الحسن بن حي : الوضوء والغسل والتيمم يجزئ كل ذلك بلا نية ، وقال أبو يوسف : إن انغمس جنب في بئر ليخرج دلوا منها لم يجزه ذلك من غسل الجنابة ، وقال محمد بن الحسن : يجزيه من غسل الجنابة . قال علي : أما احتجاجهم بأنه إنما أمر بغسل جسمه أو هذه الأعضاء وقد فعل ما أمر به ، فكذب بل ما أمر إلا بغسلها بنية القصد إلى العمل الذي أمره الله تعالى به في ذلك الوجه ، قال الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } [ ص: 91 ] فنفى عز وجل أن يكون أمرنا بشيء إلا بعبادته مفردين له نياتنا بدينه الذي أمرنا به فعم بهذا جميع أعمال الشريعة كلها . حدثنا حمام بن أحمد ثنا عبد الله بن إبراهيم ثنا أبو زيد المروي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول ، سمعت عمر بن الخطاب يقول على المنبر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } فهذا أيضا عموم لكل عمل ، ولا يجوز أن يخص به بعض الأعمال دون بعض بالدعوى . وأما قياسهم ذلك على إزالة النجاسة فباطل لأنه قياس ، والقياس كله باطل ، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل ، لوجوه : منها أن يقال لهم : ليس قياسكم الوضوء والغسل على إزالة النجاسة بأولى من قياسكم ذلك على التيمم الذي هو وضوء في بعض الأحوال أيضا ، وكما قستم التيمم على الوضوء في بعض الأحوال وهو بلوغ المسح إلى المرفقين ، فهلا قستم الوضوء على التيمم في أنه لا يجزئ كل واحد منهما إلا بنية ، لأن كليهما طهر للصلاة . فإن قالوا : إن الله تعالى قال : { فتيمموا صعيدا طيبا } ولم يقل ذلك في الوضوء قلنا نعم فكان ماذا ؟ وكذلك قال الله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } فصح أنه لا يجزئ ذلك الغسل إلا للصلاة بنص الآية .

                                                                                                                                                                                          والوجه الثاني أن دعواهم أن غسل النجاسة يجزئ بلا نية باطل ليس كما قالوا ، بل كل تطهير لنجاسة أمر الله تعالى به على صفة ما فإنه لا يجزئ إلا بنية وعلى تلك الصفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وقد ذكرناه بإسناده قبل ، وكل نجاسة ليس فيها أمر بصفة ما فإنما على الناس أن يصلوا بغير نجاسة في أجسامهم ولا في ثيابهم ولا في موضع صلاتهم ، فإذا صلوا كذلك [ ص: 92 ] فقد فعلوا ما أمروا به ، فظهر فساد احتجاجهم وعظم تناقضهم في الفرق بين الوضوء والغسل وبين التيمم والصلاة وغير ذلك من الأعمال بلا برهان ، واختلافهم في الجنب ينغمس في البئر كما ذكرنا بلا دليل . وقال بعضهم : لو احتاج الوضوء إلى نية لاحتاجت النية إلى نية وهكذا أبدا ، قلنا لهم : هذا لازم لكم فيما أوجبتم من النية للتيمم وللصلاة وهذا محال ، لأن النية المأمور بها هي مأمور بها لنفسها ، لأنها القصد إلى ما أمر به فقط ، وأما الحسن بن حي فإنه ينقض قوله بالآية التي ذكرنا والحديث الذي أوردناه ، وقولنا في هذا قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود وغيرهم وبالله تعالى التوفيق . .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية