الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        12873 - قال مالك : وهذا أحب ما سمعت في هذا إلي .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        12874 - قال أبو عمر : قوله : " وهذا أحب ما سمعت إلي " يدل على علمه بالخلاف فيها ، وأن الخلاف كان بالمدينة قديما .

                                                                                                                        12875 - وقول أبي ثور في الخلطاء كقول مالك سواء ، واحتج بنحو حجته في ذلك .

                                                                                                                        12876 - ومن حجة من قال بقول مالك أيضا في الخلطاء إجماع الجميع على أن المنفرد لا تلزمه زكاة في أقل من أربعين من الغنم .

                                                                                                                        12877 - واختلفوا في الخليط بغيره لغنمه . ولا يجوز أن ينقض أصل [ ص: 175 ] مجتمع عليه برأي مختلف فيه .

                                                                                                                        12878 - وقال أصحاب الشافعي : ليس في ذلك رأي ؛ وإنما هو توقيف عمن يجب التسليم له . واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يجتمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " . وقوله عليه الصلاة والسلام : " في خمس من الإبل شاة ، وفي أربعين من الغنم شاة " ، لم يفرق بين الغنم المجتمعة في الخلطة لمالكين أو لمالك واحد .

                                                                                                                        12879 - قال الشافعي : ولما لم يختلف السلف القائلون : في أربعين شاة شاة ، أن الخلطاء في مائة وعشرين شاة ليس عليهم فيها إلا شاة واحدة ، دل ذلك على أن عدة الماشية المختلطة لا ملك المالك ، والله أعلم .

                                                                                                                        12880 - وقال الشافعي : الذي لا شك فيه أن الخليطين الشريكين لم يقتسما الماشية وتراجعهما بالسوية أن يكونا خليطين في الإبل فيها الغنم فتؤخذ الإبل في يد أحدهما فيؤخذ منها صدقتها ويرجع على شريكه بالسوية ، [ ص: 176 ] لما جاء في الحديث " وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية " .

                                                                                                                        12881 - قال : وقد يكون الخليطان الرجلين يتخالطان بماشيتهما ، وإن عرف كل واحد منهما ماشيته . ولا يكونان خليطين حتى يريحا ويحلبا ويسرحا ويسقيا معا فحلهما واحد ، فإذا كان هكذا صدقا صدقة الرجل الواحد لكل حول .

                                                                                                                        12882 - قال : ولا يكونان حولين حتى يحول عليهما الحول من يوم اختلطا ، ويكونا مسلمين وإن افترقا في مراح ومسرح أو سقي أو فحول قبل الحول فليسا بخليطين ويصدقان صدقة الاثنين . وكذلك إذا كانا شريكين .

                                                                                                                        12883 - ولا يراعي الشافعي النصاب لكل واحد منهما ، ولو اختلط عنده أربعة رجال أو أكثر أو أقل في أربعين شاة كان عليهم فيها شاة بمرور الحول .

                                                                                                                        12884 - وروي ذلك عن عطاء .

                                                                                                                        12885 - قال الشافعي : ولما لم أعلم مخالفا إذا كان ثلاثة خلطاء لهم مائة وعشرون شاة أن عليهم فيها شاة واحدة ، وأنهم يصدقون صدقة الواحد ينتقصون المساكين شاتين من مال الخلطاء الثلاثة الذين لم يفرق مالهم كان فيه ثلاث شياه ، لم يجز إلا أن يقال : لو كانت أربعون بين ثلاثة رجال كان عليهم [ ص: 177 ] شاة ؛ لأنهم خلطاء صدقوا صدقة الواحد .

                                                                                                                        12886 - قال : وبهذا أقول في الماشية كلها والزرع .

                                                                                                                        12887 - قال أبو عمر : يريد لما لم يكن على الخلطاء في أربعين شاة وغيره الخلطة فريضة المنفرد وجب أن يعتبر النصاب بينهم نصاب الواحد كما يزكون زكاة الواحد .

                                                                                                                        12888 - قال : ولو أن حائطا كان موقوفا حبسا على مائة إنسان ولم يخرج إلا عشرة أوسق أخذت منه صدقة كصدقة الواحد .

                                                                                                                        12889 - ويقول الشافعي في الخلطة بقول الليث ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        12890 - قال أحمد : إذا اختلط جماعة في خمسة من الإبل أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم ، وكان مرعاهم ومسرحهم ومبيتهم ومحلبهم وفحلهم واحدا ، أخذ منهم الصدقة وتراجعوا فيما بينهم بالحصص .

                                                                                                                        12891 - واختلفوا في غير الماشية أخذ من كل واحد على انفراده إذا كانت حصته تجب فيها الزكاة .

                                                                                                                        12892 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : الخليطان في المواشي كغير الخليطين لا تجب على واحد منهما فيما يملك منها إلا مثل الذي يجب عليه لو لم يكن خليطا .

                                                                                                                        12893 - قالوا : وكذلك الذهب والفضة والزرع .

                                                                                                                        [ ص: 178 ] 12894 - قالوا : وإذا أخذ المصدق الصدقة من ماشيتهما تراجعا فيما أخذ منهما حتى تعود ماشيتهما لو لم ينقص من مال كل واحد منهما إلا مقدار ما كان عليه من الزكاة في حصته .

                                                                                                                        12895 - وتفسير ذلك أن يكون لهما عشرون ومائة شاة لأحدهما ثلثها فلا يجب على المصدق انتظار قيمتها ؛ ولكن يأخذ من عرضها شاتين فيكون بذلك أخذ من مال صاحب الثلث شاة وثلثا ؛ وإنما كانت عليه شاة وفيها للآخر ثلثا شاة وقد كانت عليه شاة فيرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث ثلث الشاة التي أخذها المصدق من حصته زيادة على الواجب الذي كان عليه فيها فتعود حصة صاحب الثلث إلى تسع وتسعين وحصة صاحب الثلث إلى تسع وثلاثين . 12896 - ولو خالط صاحب عشرين صاحب ستين فالشاة على صاحب الستين لا على صاحب العشرين .

                                                                                                                        12897 - قال أبو عمر : إنما حمل الكوفيون على دفع القول بصدقة الخلطاء أنهم لم يبلغهم ذلك ، والله أعلم ، اعتمدوا على ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " ، وقوله عليه السلام في الغنم ليس فيما دون أربعين منها شيء . ورأوا أن الخلطة المذكورة تغير هذا الأصل ; فلم يلتفتوا إليه ، والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية