الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2403 24 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : أخبرنا عبد الله قال : أخبرنا ابن عون ، قال : كتبت إلى نافع ، فكتب إلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق ، وهم غارون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم ، وأصاب يومئذ جويرية ، قال حدثني به عبد الله بن عمر ، وكان في ذلك الجيش .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " وسبى ذراريهم " وفي الترجمة " وسبى الذرية " .

                                                                                                                                                                                  وعلي بن الحسن بن شقيق بفتح الشين المعجمة ، وكسر القاف الأولى المروزي مات سنة خمس عشرة ومائتين ، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي ، وابن عون بفتح العين المهملة هو عبد الله بن عون مر في العلم .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى ، وعن محمد بن المثنى ، وأخرجه أبو داود في الجهاد عن سعيد بن منصور ، عن إسماعيل بن علية ، وأخرجه النسائي في السير عن محمد بن عبد الله بن بزيع .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 102 ] قوله : " قال كتبت " أي قال ابن عون كتبت إلى نافع في أمر بني المصطلق فكتب إلى آخره ، قد ذكرنا في باب إذا اختلف الراهن والمرتهن أن الكتابة حكمها حكم الاتصال لا الانقطاع ، قوله : " أغار " بالغين المعجمة يقال : أغار على عدوه إذا هجم عليه ونهبه ، ومصدره الإغارة ، والغارة اسم من الإغارة ، ومادته غين وواو وراء ، قوله : " بني المصطلق " بضم الميم وسكون الصاد المهملة ، وفتح الطاء المهملة ، وكسر اللام ، وبالقاف ، وهي بطن من خزاعة ، والمصطلق هو ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر ، ويقال : إن المصطلق لقب واسمه جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة ابن سعد بن عمرو ، وعمرو هو أبو خزاعة ، وقال ابن دريد : سمي المصطلق لحسن صوته مفتعل من الصلق والصلق شدة الصوت وحدته من قوله : عز وجل سلقوكم بألسنة حداد

                                                                                                                                                                                  ويقال : صلق بنو فلان بني فلان إذا وقعوا بهم وقتلوهم قتلا ذريعا ، قوله : " وهم غارون " جملة اسمية حالية بالغين المعجمة وتشديد الراء ، والغارون جمع غار أي غافل أي أخذهم على غرة وبغتة ، قوله : " وأنعامهم تسقى " أيضا جملة اسمية حالية والأنعام بفتح الهمزة جمع نعم ، قال الجوهري : النعم واحد الأنعام وهي المال الراعية ، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل قال الفراء : هو ذكر لا يؤنث ، يقولون : هذا نعم وارد ، ويجمع على نعمان ، والأنعام تذكر وتؤنث قال الله تعالى في موضع : مما في بطونه وفي موضع مما في بطونها وجمع الجمع أناعيم ، قوله : " تسقى " على صيغة المجهول ، قوله : " فقتل مقاتلتهم " أي الطائفة البالغين الذين هم على صدد القتال ، قوله : " ذراريهم " بتشديد الياء وتخفيفها وهو جمع ذرية ، قوله : " يومئذ " أي يوم الإغارة على بني المصطلق ، قوله : " جويرية " مصغر جارية .

                                                                                                                                                                                  ومن حديثها ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن شماس ، أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها قالت : فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها ، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت ، فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه ، وقد أصابني من البلايا ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له ، فكاتبته فجئتك أستعينك على كتابتي ، قال : فهل لك من خير من ذلك ، قالت : وما هو يا رسول الله ، قال أقضي كتابتك ، وأتزوجك ، قالت : نعم يا رسول الله ، قد فعلت ، قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية بنت الحارث ، فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم ، قالت : فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها " .

                                                                                                                                                                                  وروى موسى بن عقبة عن بعض بني المصطلق أن أباها طلبها وافتداها ثم خطبها منه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فزوجه إياها ، وقال الواقدي ويقال : إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق ، ويقال : جعل صداقها عتق أربعين من بني المصطلق ، وكانت جويرية تحت مسافع بن صفوان المصطلقي ، وقيل : صفوان بن مالك ، وكان اسمها برة فغيرها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسماها جويرية ، وماتت في ربيع الأول سنة ست وخمسين ، ولها خمس وستون سنة .

                                                                                                                                                                                  وأما غزوة بني المصطلق فقال البخاري : وهي غزوة المريسيع ، وقال ابن إسحاق : وذلك سنة ست ، وقال موسى بن عقبة سنة أربع انتهى ، وقال الصغاني : غزوة المريسيع من غزوات رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في سنة خمس من مهاجره ، قالوا : إن بني المصطلق من خزاعة يريدون محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا ينزلون على بئر لهم يقال لها : المريسيع بينها وبين الفرع مسيرة يوم ، وقال الواقدي : كانت غزوة بني المصطلق لليلتين من شعبان سنة خمس في سبعمائة من أصحابه ، وقال ابن هشام : استعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ، ويقال نميلة بن عبد الله الليثي ، وذكر ابن سعد : ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا الخروج ، وقادوا الخيل ، وهي ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة ، وفي الأنصار عشرون ، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة ، وكان معه فرسان لزار والظرب ، ويقال : كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه حامل راية المهاجرين ، وسعد بن عبادة حامل راية الأنصار ، فقتلوا منهم عشرة وأسروا سائرهم ، وقال ابن إسحاق : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم ، يقال له : المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف [ ص: 103 ] الناس ، فاقتتلوا فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل، ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه ، وقال ابن سعد : وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب وأمر بالغلام فجمعت واستعمل عليهم شقران مولاه ، وجمع الذرية ناحية واستعمل على سهم الخمس وسهمان المسلمين محمية بن جزء الزبيدي ، وكانت الإبل ألفي بعير ، والشياه خمسة آلاف ، وكان السبي مائتي بنت ، وغاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرين ، وقدم المدينة لهلال رمضان ، وقال ابن إسحاق : وأصيب من بني المصطلق ناس ، وقتل علي رضي الله تعالى عنه منهم رجلين مالكا وابنه ، وكان شعار المسلمين يومئذ : يا منصور ، أمت أمت .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية