الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون .

                                                          أشار الله - تعالى - في الآية السابقة إلى ما في المؤمن التقي من حراسة على النفس من أن يتدلى إلى الشر تدليا، فإذا جاءها طائف تذكروا الله وعظمته، وآياته الباهرة، فيدركون بفطرتهم كما يدرك المبصر ببصره، فلا يتردى في معصية، ولا يصل إلى أقصاها.

                                                          ولكن لا يكون العيب من ذات نفوسهم، بل يكون من إخوان السوء الذين يزينون له سوء الأفعال فيحسبها حسنة، ويكون ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا، فأولئك هم الذين يقاومون فطرة المؤمن ويحاولون طمس النور فيها، ويزيدونها سيرا في الغي إن سارت فيه، فبينما الحق يذكرهم إخوان السوء يمدونهم في الغي، ولذا قال تعالى: وإخوانهم يمدونهم في الغي

                                                          الإخوان هم الذين يرتبطون معهم بصلة نسب، أو صلة مودة، أو صلة جوار، أو يتصلون بهم بأي صلة إنسانية يمدونهم أي يسيرون يمدونهم بكل أسباب الطغيان والعتو.

                                                          ويقال: مده في عمله وزينه له وحسنه، ولذا كانت قراءة الأكثرين بفتح الياء وضم الميم يمدونهم في الغي والمد التزيين والتحسين والتشجيع، والغي هو الضلال والفساد، وكل ما يؤدي إلى الوقوع في مراتع الهوى.

                                                          [ ص: 3048 ] وإنه توجد موازنة حكيمة بين نفس متقية مؤمنة هدايتها من نفسها إذا جاءها الشر أو طائف منه قاومته بذكر الله وبصيرة المؤمن وبصبر الإيمان، والنفس الأخرى نفس شقية أغواها السوء، فلما طاف عليها طائف الشر زينته وأغرى النفس إخوان السوء وزينوه وحسنوه، فأصرت على طائف الشر بتزيينهم وتشجيعهم ومدهم، فهم في طغيانهم يعمهون، وأن يستمروا على تحسين الشر، ولا ينهون تحسينهم وتزيينهم، فهم في غمرة من الشر لا تنتهي، ولذا قال تعالى: ثم لا يقصرون أقصر معناها أنهى، و(ثم ) هنا للدلالة على تراخي الزمن واستمراره، فهي في موضعها، والمعنى: ثم بعد استمرارهم في غيهم وضلالهم لا يقصرون أي: لا ينتهون بل دائمون.

                                                          وهكذا الشر يستمر مع مقاومة الفطرة باستمرار دعاة الغي وأنصاره، وكان مدهم وتزيينهم مستمرا يغذي شجرة الشر، كما يغذي الماء القذر النبات الخبيث الذي لا يكون إلا نكدا.

                                                          فالشر يتغذى بدعاة الشر، وينمو ويغلظ سوقه بهم، والفساد لا يستشري في جماعة ويعمها بالشر إلا بالبيئة الفاسدة وبالرأي العام الفاسد المرذول، فإخوان السوء يمدون بالغي، وسواء أكانوا آحادا أم كانوا جماعات، وكلمة إخوانهم تنطبق عليهم.

                                                          وإن من يرد إصلاح جماعة لا يصلح آحادها ابتداء، إنما يصلح نية الإخوان الذين يسيطرون على جوها العام أولا، ثم يصلحون الآحاد، فيصلحون بالجولة الأولى.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية