الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5301 - وعن أبي ذر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ، ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق بما في يدي الله ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك " رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، وعمرو بن واقد الراوي منكر الحديث .

التالي السابق


5301 - ( وعن أبي ذر عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " الزهادة " ) : بفتح الزاي أي : ترك الرغبة في الدنيا ( " ليست بتحريم الحلال " ) : كما يفعله بعض الجهال زعما منهم أن هذا من الكمال ، فيمتنع من أكل اللحم أو الحلواء والفواكه ولبس الثوب الجديد ومن التزوج ونحو ذلك ، وقد قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وقد ثبت أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - فعل هذه الأفعال ولا أكمل من حاله الكمال . ( " ولا إضاعة المال " ) أي : بتضييعه وصرفه في غير محله بأن يرميه في بحر أو يعطيه للناس من غير تمييز بين غني وفقير ، وحاصله أنه لا عبرة بالزهادة الظاهرة ، وخلو اليد عن الأموال الطاهرة ، ثم توجه القلب إلى الخلق عند الاحتياج إلى المعيشة الحاضرة ، بل المدار على الزهد القلبي بالانجذاب الربي ، ولذا استدرك ما سبقه من المقال حيث قال : ( " ولكن الزهادة " ) : بتشديد النون ويخفف أي : ولكن الزهادة المعتبرة الكاملة ( " في الدنيا " ) أي : في شأنها ( أن لا تكون بما في يديك ) أي : من الأموال أو من الصنائع والأعمال ( أوثق ) أي : أرجى منك ( " بما في يدي الله " ) : بصيغة التثنية أي : بخزائنه الظاهرة والباطنة ، وفيه نوع من المشاكلة ، والمعنى ليكن اعتمادك بوعد الله لك من إيصال الرزق إليك ، ومن إنعامه عليك من حيث لا تحتسب ، ومن وجه لا تكتسب أقوى وأشد مما في يديك من الجاه والمال والعقار وأنواع الصنائع من الاستعمال ، ولو علم الكيميا وعلم السيميا ، فإن ما في يديك يمكن تلفه وفناؤه بخلاف ما في خزائنه ، فإنه محقق بقاؤه كما قال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق ( " وأن تكون " ) : عطف على " أن لا تكون " ، والزهادة فيها أيضا أن لا تلتفت إلى التنعم فيها ، والتلذذ بوجود نعمها ، بل وأن تغتنم حصول المحنة ووصول البلية فيها لئلا يميل قلبك إليها ، ولا تستأنس نفسك بما عليها ، فتكون حينئذ ( في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها ) : بصيغة المجهول ( " أرغب فيها " ) أي : في حصول المصيبة ( " لو أنها " ) أي : لو فرض أن تلك المصيبة ( " أبقيت لك " ) أي : منعت لأجلك وأخرت عنك ، فوضع أبقيت موضع لم تصب ، وجواب لو ما دل عليه ما قبلها ، وخلاصته أن تكون رغبتك في وجود المصيبة لأجل ثوابها أكثر من رغبتك في عدمها ، فهذان الأمران شاهدان عدلان على زهدك في الدنيا وميلك في العقبى . وقال الطيبي : لو أنها أبقيت لك حال من فاعل أرغب ، وجواب لو محذوف ، وإذا ظرف ، والمعنى أن تكون في حال المصيبة وقت إصابتها أرغب من نفسك في المصيبة حال كونك غير مصاب بها ; لأنك تثاب بوصولها إليك ، ويفوتك الثواب إذا لم تصل إليك ( رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، وعمرو بن واقد الراوي منكر الحديث ) قلت : وغايته أنه حديث ضعيف مبنى ، ولكنه حديث شريف معنى ، ومثله يعتبر في فضائل الأعمال في جميع الأقوال ، ومن جملتها الزهادة في الدنيا والرغبة في العقبى .

[ ص: 3323 ]



الخدمات العلمية