الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وفي التطهير بماء جعل في الفم قولان )

                                                                                                                            ش : قوله بماء الظاهر فيه أنه بالهمزة والمد وهو الذي في أكثر النسخ ويصح أن يقرأ بغير همز فيكون ما اسما موصولا بمعنى الذي وفيه بعد وتكلف لأنه يحتاج إلى تقدير موصوف أي وفي التطهير بالماء الذي جعل في الفم قولان قال في التوضيح : والقولان راجعان إلى خلاف في حال هل يمكن أن ينفك الماء عما يضيفه أم لا ؟ والجواز رواه موسى بن معاوية عن ابن القاسم والمنع رواه أشهب عن مالك في العتبية واتفقا على أنه لو تحقق التغير لأثر انتهى . وكأنه يعني والله أعلم لو تحقق أنه حصل من الريق قدر لو كان من غير الريق لغير الماء ولأن الريق لا يغير الماء إلا أن يكثر جدا حتى يظهر لعابه في الماء فالظاهر أنه إنما أراد ما ذكرنا وهكذا قال ابن الإمام إنه لو طال مكث الماء في فمه أو حصل منه مضمضة لانتفى الخلاف لغلبة الريق وقيد غيره أيضا الخلاف بأن لا يكون في الفم نجاسة وهو ظاهر والظاهر مع هذين القيدين القول بالجواز ونقل الشارح في الصغير عن المصنف أنه قال : والظاهر الطهورية لأنها أصل انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهان الأول ) قال ابن الإمام مقتضى كلام ابن الحاجب ثبوت الخلاف في تطهير الحدث والخبث به وهو ظاهر كلمعة ذكرها حيث لا يمكنه الأخذ إلا بفيه لقطع يديه أو نجاستهما وتقييد طائفة من الأشياخ الخلاف بتطهير الخبث إن كان لأنه الواقع في الروايات فظاهر وإن كان لأنه مضاف فغير صحيح انتهى ورواية أشهب عن مالك في آخر سماعه ورواية موسى عن ابن القاسم في سماعه [ ص: 66 ] وكلاهما في كتاب الطهارة وأطلق المصنف وغيره عليهما القولين مع أن أحدهما رواية والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني ) دل كلام التوضيح السابق وكلام ابن الإمام على أن الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها الشك في حصول القدر الذي يغلب على الظن تأثيره من المخالط الموافق بخلاف المسألة السابقة وقال البساطي : الفرق بينهما احتمال المخالط الموافق هنا وهناك فرض وقوعه ثم قال فإن قلت : هذا أن الخلاف خلاف في حال فإن كان خلافا حقيقيا وهو أن يتفق ابن القاسم وأشهب على أنه لا ينفك عن المخالط لكن ابن القاسم يعتبر بقاء صدق اسم الماء وأشهب ينظر إلى أنه خولط في نفس الأمر فهو والذي قبله سواء ولا يصح قولهم لا نص في المسألة ثم أجاب بأن المسألة السابقة محمولة على أن المخالط الموافق وقع منه في الماء قدر لو كان مخالفا أو باقيا على أصله لأثر في الماء فافترقت المسألتان انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) : فرضه أن الخلاف حقيقي مخالف لكلام الشيوخ السابق ودل آخر كلامه على أن الفرق بين المسألتين ما ذكرناه أولا والله أعلم ثم قال البساطي : فإن قلت : كيف يمكن الجمع بين قولهم هنا عن أشهب أنه لا يتطهر به ونقلهم الاتفاق على أن الماء القليل إذا خولط بطاهر ولم يغيره طهور ؟ .

                                                                                                                            ( قلت ) : كأن ذلك محمول على ما إذا كان من شأن المخالط أن يطهر تغيره كاللبن والعسل فلما لم يغير دل على قلته وهذا موافق لصفة الماء فلا دليل على قلته انتهى . وما ذكره من الاتفاق هو أحد الطرق في المسألة والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية