الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولو استتر بسترة في مكان مغصوب لم يحرم المرور بينه وبينها ولم يكره كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وسواء في حرمة المرور مع السترة أوجد المار سبيلا غيره أم لا كما صرح به في الروضة . نعم قد يضطر المار إلى المرور بحيث يلزمه المبادرة لأسباب لا تخفى [ ص: 56 ] كإنذار نحو مشرف على الهلاك تعين المرور طريقا لإنقاذه ; لقوله صلى الله عليه وسلم { لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خريفا خيرا له من أن يمر بين يديه } ، وهو مقيد بالاستتار المعلوم من الأخبار السابقة .

                                                                                                                            وإنما يحرم المرور مع السترة المقررة . بخلاف ما إذا فقدت أو كانت وتباعد عنها أكثر من ثلاثة أذرع أو اختل شرط من شروطها ; لأن القصد من السترة أن يظهر لصلاته حريم يضطرب فيه في حركاته وانتقالاته فإذا لم يستتر فهو المهدر لحرمة نفسه ، وكذا لو قصر المصلي بأن وقف في قارعة الطريق أو بشارع أو درب ضيق أو نحو باب مسجد كالمحل الذي يغلب مرور الناس به في وقت الصلاة ، ولو في المسجد كالمطاف وكأن ترك فرجة في صف أمامه فاحتيج للمرور بين يديه لفرجة قبله فلا يحرم المرور في جميع ذلك ، ولو في حريم المصلي ، وهو قدر إمكان سجوده خلافا للخوارزمي ، بل ولا يكره عند التقصير .

                                                                                                                            ولا يجوز الدفع ، وإن تعددت الصفوف ، ووهم من [ ص: 57 ] ظن أن هذه المسألة كمسألة التخطي يوم الجمعة فقيدها بصفين ، ولو أزيلت سترته حرم على من علم بها المرور كما بحثه الأذرعي لعدم تقصيره ، وقياسه أن من استتر بسترة يراها مقلده ولا يراها مقلد المار تحريم المرور ، ولو قيل باعتقاد المصلي في جواز الدفع وفي عدم تحريم المرور باعتقاد المار لم يبعد ، وكذا إن لم يعلم مذهب المصلي ، ولو عجز عن ستره حتى عن الخط لم يكن له الدفع كما رجحه الأذرعي خلافا للزركشي ، ولو صلى بلا سترة فوضعها غيره بلا إذنه اعتد بها كما بحثه ابن الأستاذ ، ويكره كما في المجموع أن يصلي وبين يديه رجل أو امرأة يستقبله ويراه . ا هـ . ولو مر بين يديه شيء كامرأة وحمار وكلب لم تبطل . وأما خبر مسلم { يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار } فالمراد به قطع الخشوع للشغل بها . والأوجه أن بعض الصفوف لا يكون سترة لبعضها كما هو ظاهر كلامهم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : في مكان مغصوب ) أي ، وإن وقف في مكان مملوك له كما هو ظاهر عبارته ، ولو قيل بحرمة المرور لم يبعد لكون المكان مستحقا للواقف . والتعدي إنما هو بمجرد وضع السترة وقوله في مكان مغصوب صفة للسترة ; وكذا لو صلى إلى سترة مغصوبة . ا هـ حج ، وأقره سم عليه وبالغ في اعتماده ، وهو قريب ، وقول حج مغصوبة : أي فلا يحرم المرور لكن عبارته على منهج نصها : قوله : وحرم مرور : أي ، وإن كانت السترة مغصوبة ; لأن الحرمة لأمر خارج م ر فحرر الفرق بينه وبين الصلاة في المكان المغصوب مع السترة ا هـ . أقول : والفرق بينهما أن الحق المتعلق بالمكان أقوى من الحق المتعلق بالسترة ، فإن المصلي لا حق له في المكان المغصوب حتى تكون السترة مانعة لغيره من المرور فيه ، فاعتبارها يقطع حق المالك من مكانه ، بخلاف السترة المغصوبة فإن الحق لمالكها إنما يتعلق بعينها فأمكن اعتبارها علامة على كون محلها معتبرا من حريم المصلي ، وبقي ما لو صلى في مكان مغصوب [ ص: 56 ] ووضع السترة في غيره وينبغي فيه جواز الدفع اعتبارا بالسترة ( قوله : لإنقاذه ) أي أو خطف نحو عمامته وتوقف إنقاذها من السارق على المرور فلا يحرم المرور ، بل يجب في إنقاذ نحو المشرف ويحرم على المصلي الدفع إن علم بحاله .

                                                                                                                            [ فائدة ] قال حج : ويسن وضع السترة عن يمينه أو يساره ولا يستقبلها بوجهه للنهي عنه ، ومع ذلك هي سترة محترمة كما هو ظاهر ; وكتب عليه سم قوله : ويسن وضع إلخ لا يتأتى في الجدار كما هو معلوم ، وقد يتأتى فيه بأن ينفصل طرفه عن غيره ، وحينئذ فهل السنة وقوفه عند طرفه بحيث يكون عن يمينه ويشمل المصلي فهل السنة وضعها عن يمينه وعدم الوقوف عليها ؟ فيه نظر ، ويحتمل على هذا أن يكفي كون بعضها عن يمينه ، وإن وقف عليها ( قوله : وكذا لو قصر المصلي إلخ ) يؤخذ منه أنه لو لم يجد محلا يقف فيه إلا باب المسجد لكثرة المصلين كيوم الجمعة مثلا حرم المرور سن له الدفع ، وهو محتمل ، ويحتمل عدم حرمة المرور لعذر كل من المار والمصلي .

                                                                                                                            أما المصلي فلعدم تقصيره . وأما المار فلاستحقاقه المرور في ذلك المكان ، على أنه قد يقال بتقصير المصلي حيث لم يبادر للمسجد بحيث يتيسر له الجلوس في غير الممر ولعل هذا أقرب ( قوله : الذي يغلب مرور الناس به ) وليس منه ما جرت به العادة من الصلاة بداخل رواق ابن المعمر بالجامع الأزهر فإن هذا ليس محلا للمرور غالبا . نعم ينبغي أن يكون منه ما لو وقف في مقابلة الباب ( قوله : وكأن ترك فرجة ) يؤخذ من التعبير بالترك أنه لو لم يوجد من المأمومين تقصير كأن كملت الصفوف في ابتداء الصلاة ثم بطلت صلاة بعض من نحو الصف الأول لم يكن ذلك مسقطا لحرمة المرور ولا لسن الدفع .

                                                                                                                            وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين تحقق عروض الفرجة والشك فيه ، وهو محتمل ; لأن الأصل تسوية الصفوف وسن الدفع حتى يتحقق ما يمنعه ( قوله : ولا يكره عند التقصير ) أي أما مع انتفاء [ ص: 57 ] التقصير بأن لم يقف في موضع مرور الناس مثلا فخلاف الأولى . قال حج : وهو مراد من عبر بالكراهة فيه ، ولعلهم لم ينظروا لخلاف الخوارزمي فيقولون بالكراهة خروجا منه لشدة ضعفه عندهم لمخالفته لكلام الأصحاب . ( قوله : حرم على من علم بها ) أي وأما غيره فلا يحرم عليه ، لكن للمصلي دفعه ; لأنه لا يتقاعد عن الصبي والبهيمة ( قوله : لم يبعد ) ، وهذا هو المعتمد كما جزم به سم على حج .

                                                                                                                            وعليه فلو دفع المصلي المعتقد تحريم المرور مارا لم يعتقده فمات المدفوع لم يضمنه الدافع لجواز ما فعله بل سنة في اعتقاده ، لكن لو ترافع الدافع ، وولى المدفوع إلى حاكم فالعبرة بعقيدته فيما يظهر ( قوله : بلا إذنه اعتد بها ) أي فينبغي له وضعها حيث كان للمصلي عذر في عدم الوضع ، ويحتمل أن يسن مطلقا ; لأن فيه إعانة على خير ، والأقرب الأول ، وهل يضمن المصلي السترة في هذه الحالة إذا تلفت أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أنه إن وضع يده عليها ودلت قرينة من المالك ، ولو بإشارة منه على وضع يده عليها فهي عارية ، فإن تلفت بالاستعمال المأذون فيه فلا ضمان ، وإلا ضمن ولو بلا تقصير منه ، وإن لم يأذن في وضع يده عليها فلا ضمان ما لم يعد مستوليا عليها لتعديه بوضع يده عليها بلا إذن ، وبقي ما لو كانت السترة ملكا للمصلي ولم يضعها ثم أخذها غيره ووضعها وتلفت هل يضمن أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لتعديه بوضع يده بلا إذن ، وإن قصد بذلك مصلحة تعود على المصلي ما لم تدل قرينة من المصلي على الرضا بذلك ، وإلا فلا ضمان . ( قوله : يستقبله ويراه ) أي ولو بحائل ولو كان ميتا أيضا ولا يعد سترة له كما مر .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : في مكان مغصوب ) حال من فاعل استتر كما هو صريح فتاوى والده ، خلافا لما في حاشية الشيخ من جعله صفة للسترة . وعبارة الفتاوى : سئل عمن صلى بمكان مغصوب إلى سترة هل يحرم المرور بينه وبينها أم لا ؟ فأجاب بأنه لا يحرم المرور بل ولا يكره انتهت . وهو [ ص: 56 ] شامل لما إذا كانت السترة في غير المغصوب ( قوله : لقوله صلى الله عليه وسلم ) تعليل للمتن ( قوله : وإنما يحرم إلخ ) تقدم ما يغني عنه ( قوله : أو اختل شرط من شروطها ) من عطف العام على الخاص ( قوله : أو نحو باب مسجد ) ينبغي أن يكون محله ما لم يضطر إلى الوقوف فيه بأن امتلأ المسجد بالصفوف ، ثم رأيت الشيخ في الحاشية ذكر ذلك احتمالا ثم قال : ويحتمل عدم حرمة المرور لعذر كل من المار والمصلي . أما المصلي فلعدم تقصيره ، وأما المار فلاستحقاقه المرور في ذلك المكان ، على أنه قد يقال بتقصير المصلي حيث لم يبادر للمسجد بحيث يتيسر له الجلوس في غير الممر ، ولعل هذا أقرب انتهى . وقد يقال عليه إذا كانت الصورة أن المسجد ممتلئ بالصفوف فأين يذهب المار والمسجد ليس محلا للمرور ، وقوله : على أنه قد يقال بتقصير المصلي إلخ فيه أنه حيث كانت الصورة ما ذكر فلا بد من وقوف بعض المصلين بالباب بالضرورة فلا تقصير [ ص: 57 ] قوله : وقياسه أن من استتر إلخ ) أي بجامع عدم التقصير ، إذ من أتى بالسترة التي كلفه بها مقلده لا يعد مقصرا ( قوله : يستقبله ) الضمير المرفوع فيه للرجل والمرأة والمنصوب للمصلي كما تصرح به عبارة الشهاب حج ، ويظهر أن الضمير المرفوع في يراه للمصلي فليراجع .




                                                                                                                            الخدمات العلمية