الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الخميصة السوداء

                                                                                                                                                                                                        5485 حدثنا أبو نعيم حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه سعيد بن فلان هو عمرو بن سعيد بن العاص عن أم خالد بنت خالد أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال من ترون أن نكسو هذه فسكت القوم قال ائتوني بأم خالد فأتي بها تحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال أبلي وأخلقي وكان فيها علم أخضر أو أصفر فقال يا أم خالد هذا سناه وسناه بالحبشية حسن [ ص: 291 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 291 ] قوله : ( باب الخميصة السوداء ) تقدم تفسير الخميصة في أوائل كتاب الصلاة ، قال الأصمعي : الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة وهي سود كانت من لباس الناس . وقال أبو عبيد هو كساء مربع له علمان ، وقيل : هي كساء رقيق من أي لون كان ، وقيل : لا تسمى خميصة حتى تكون سوداء معلمة . وذكر فيه حديثين

                                                                                                                                                                                                        الحديث الأول قوله : ( عن أبيه سعيد ابن فلان ابن سعيد بن العاص ) كذا قال البخاري عن أبي نعيم عن إسحاق بن سعيد عن أبيه فأبهم والد سعيد ، وأخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب عن الفضل بن دكين وهو أبو نعيم " حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه " وسيأتي بعد أبواب في " باب ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا " عن أبي الوليد عن إسحاق وفيه سياق نسب إسحاق إلى العاص مثل هذا ، وفيه التصريح بالتحديث من أبيه وبتحديث أم خالد أيضا ، وكذا أخرجه ابن سعد عن أبي نعيم وأبي الوليد جميعا عن إسحاق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أم خالد بنت خالد ) هي أمة بفتح الهمزة والميم مخففا كنيت بولدها خالد بن الزبير بن العوام ، وكان الزبير تزوجها فكان لها منه خالد وعمرو ابنا الزبير ، وذكر ابن سعد أنها ولدت بأرض الحبشة وقدمت مع أبيها بعد خيبر وهي تعقل ، وأخرج من طريق أبي الأسود المدني عنها قالت : " كنت ممن أقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من النجاشي السلام " وأبوها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية أسلم قديما ثالث ثلاثة أو رابع أربعة واستشهد بالشام في خلافة أبي بكر أو عمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بثياب ) لم أقف على تعيين اسم الجهة التي حضرت منها الثياب المذكورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : من ترون أن نكسو هذه فسكت القوم ) لم أقف على تعيين أسمائهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتي بها تحمل ) كذا فيه ، وفيه التفات أو تجريد ، ووقع في رواية أبي الوليد " فأتي بي النبي - صلى الله عليه وسلم - " وفيه إشارة إلى صغر سنها إذ ذاك ، ولكن لا يمنع ذلك أن تكون حينئذ مميزة . ووقع في أول رواية سفيان بن عيينة الماضية في هجرة الحبشة " قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية " ووقع في رواية خالد بن سعيد " أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أبي وعلي قميص أصفر " ولا معارضة بينهما لأنه يجوز أن يكون حين [ ص: 292 ] طلبها أتته مع أبيها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فألبسها ) في رواية أبي الوليد " فألبسنيها " على منوال ما تقدم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبلي وأخلقي ) في رواية أبي الوليد " وقال " بزيادة واو قبل قال ، وقوله : " أبلي " بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام أمر بالإبلاء ، وكذا قوله : " أخلقي " بالمعجمة والقاف أمر بالإخلاق وهما بمعنى ، والعرب تطلق ذلك وتريد الدعاء بطول البقاء للمخاطب بذلك ، أي أنها تطول حياتها حتى يبلى الثوب ويخلق ، قال الخليل : أبل وأخلق معناه عش وخرق ثيابك وارقعها ، وأخلقت الثوب أخرجت باليه ولفقته . ووقع في رواية أبي زيد المروزي عن الفربري " وأخلفي " بالفاء وهي أوجه من التي بالقاف لأن الأولى تستلزم التأكيد إذ الإبلاء والإخلاق بمعنى ، لكن جاز العطف لتغاير اللفظين ، والثانية تفيد معنى زائدا وهو أنها إذا أبلته أخلفت غيره ، وعلى ما قال الخليل لا تكون التي بالقاف للتأكيد ، لكن التي بالفاء أيضا أولى ، ويؤيدها ما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي نضرة قال : " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له : تبلي ويخلف الله " ووقع في رواية أبي الوليد " أبلي وأخلقي " مرتين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان فيها علم أخضر أو أصفر ) وقع في رواية أبي النضر عن إسحاق بن سعيد عند أبي داود " أحمر " بدل أخضر ، وكذا عند ابن سعد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال يا أم خالد هذا سناه ، وسناه بالحبشية ) كذا هنا أي وسناه لفظة بالحبشية ولم يذكر معناها بالعربية ; وفي رواية أبي الوليد " فجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير بيده إلي ويقول : يا أم خالد هذا سنا ويا أم خالد هذا سنا ، والسنا بلسان الحبشة الحسن " . ووقع في رواية خالد بن سعيد الماضية في الجهاد " فقال سنه سنه " وهي بالحبشية حسن ، وقد تقدم ضبطها وشرحها هناك . ووقع في رواية ابن عيينة المذكورة " ويقول سناه سناه " قال الحميدي : يعني حسن حسن . وتقدم - في الجهاد - أن ابن المبارك فسره بذلك . ووقع في رواية ابن سعد التصريح بأنه من تفسير أم خالد ، ووقع في رواية خالد بن سعيد في الجهاد من الزيادة " وذهبت ألعب بخاتم النبوة ، فزبرني أبي " وسيأتي بيان ذلك وبقية شرح ما اشتمل عليه في كتاب الأدب إن شاء الله - تعالى - .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية