الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويجوز تأخير الفوائت ) وإن وجبت على الفور ( لعذر السعي على العيال ; وفي الحوائج على الأصح ) وسجدة التلاوة [ ص: 75 ] والنذر المطلق وقضاء رمضان موسع . وضيق الحلواني ، كذا في المجتبى ( ويعذر بالجهل حربي أسلم ثمة ومكث مدة فلا قضاء عليه ) لأن الخطاب إنما يلزم بالعلم أو دليله ولم يوجدا ( كما لا يقضي مرتد ما فاته زمنها ) ولا ما قبلها إلا الحج ، لأنه بالردة يصير كالكافر الأصلي ( و ) لذا ( يلزم بإعادة فرض ) أداه ثم ( ارتد عقبه وتاب ) أي أسلم ( في الوقت ) لأنه حبط بالردة . قال تعالى { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } وخالف الشافعي بدليل { فيمت وهو كافر } قلنا : أفادت عملين وجزاءين إحباط العمل والخلود في النار ; فالإحباط بالردة ، والخلود بالموت عليها ، فليحفظ .

التالي السابق


( قوله ويجوز تأخير الفوائت ) أي الكثيرة المسقطة للترتيب .

( قوله لعذر السعي ) الإضافة للبيان ط أي فيسعى ويقضي ما قدر بعد فراغه ثم وثم إلى أن تتم .

( قوله وفي الحوائج ) أعم مما قبله أي ما يحتاجه لنفسه من جلب نفع ودفع ضره وأما النفل فقال في المضمرات : الاشتغال بقضاء الفوائت أولى وأهم من النوافل إلا سنن المفروضة وصلاة الضحى وصلاة التسبيح والصلاة التي رويت فيها الأخبار . ا هـ . ط أي كتحية المسجد ، والأربع قبل العصر والست بعد المغرب .

( قوله وسجدة التلاوة ) أي في خارج الصلاة ; أما فيها فعلى الفور وفي الحلية من باب سجود التلاوة عن شرح الزاهدي أداء هذه السجدة في الصلاة على الفور ، وكذا خارجها عند أبي يوسف . وعند محمد على التراخي ، وكذا الخلاف في قضاء الصلاة والصوم والكفارة والنذور المطلقة والزكاة والحج وسائر الواجبات . [ ص: 75 ] وعن أبي حنيفة روايتان ، وقيل قضاء الصلاة على التراخي اتفاقا والأصح عكسه ا هـ .

( قوله والنذر المطلق ) أما المعين بوقت فيجب أداؤه في وقته إن كان معلقا ، وفي غير وقته يكون قضاء ط ( قوله وضيق الحلواني ) قال في البحر بعد ذلك : وذكر الولوالجي من الصوم : أن قضاء الصوم على التراخي ، وقضاء الصلاة على الفور إلا لعذر . ا هـ . ( قوله بالجهل ) للأحكام الشرعية كوجوب صوم وصلاة وزكاة .

( قوله أسلم ثمة ) أي هناك أي في دار الحرب .

( قوله بالعلم ) فإذا بلغه في دار الحرب رجل واحد فعليه قضاء ما تركه بعده عندهما ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام وفي رواية الحسن عنه لا يلزمه حتى يخبره رجلان عدلان مسلمان أو رجل وامرأتان ; وأما العدالة ففي المبسوط أنها شرط عندهما . وروى أبو جعفر في غريب الرواية أنها غير شرط عندهما ، حتى إذا أخبره رجل فاسق أو صبي أو امرأة أو عبد فإن الصلاة تلزمه تتارخانية .

( قوله أو دليله ) أي دليل العلم وهو الكون في دار الإسلام لاشتهار الفرائض فيها ، فمن أسلم فيها لزمه قضاء ما ترك .

( قوله زمنها ) منصوب ظرف لقوله فإنه ح والضمير للردة المفهومة من قوله مرتد .

( قوله ولا ما قبلها ) عطف على ما فاته ، وأعاد لا النافية لتأكيد النفي ; وعلى هذا يصير المعنى : ولا يعيده ما أداه قبلها بدليل العطف المذكور لأنه مقابل للمعطوف عليه ، وبدليل قوله إلا الحج لأن معناه إذا أداه قبلها يقضيه ، ولو كان المعنى أنه لا يقضي ما فاته قبلها لكان حق التعبير أن يقول أو قبلها عطفا على زمنها العامل فيه قوله فاته ولخالف ما سيأتي في باب المرتد ، ونقله في البحر هناك عن الخانية بقوله : إذا كان على المرتد قضاء صلوات وصيامات تركها في الإسلام ثم أسلم ، قال شمس الأئمة الحلواني : عليه قضاء ما ترك في الإسلام لأن ترك الصيام والصلاة معصية ، والمعصية تبقى بعد الردة ا هـ فافهم .

( قوله إلا الحج ) لأن وقته العمر ، فلما حبط بالردة ثم أدرك وقته مسلما لزمه .

( قوله لأنه بالردة إلخ ) تعليل للمتن ، ولقوله إلا الحج : أي فإن الكافر الأصلي إذا أسلم لا يلزمه قضاء ما فاته زمن كفره لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا كما في فتح القدير ، بل يلزمه ما أدرك وقته بعد الإسلام ، والحج وقته باق فتلزمه كما يلزمه أداء صلاة أسلم في وقتها فكذا المرتد ( قوله ولذا ) أي لكونه كالكافر الأصلي ( قوله لأنه حبط ) أي بطل والأحسن عطفه بالواو على قوله ولذا ، ليكون علة ثانية للزوم الإعادة تأمل .

( قوله وخالف الشافعي ) أي حيث قال لا يلزم الإعادة لأن إحباط العمل معلق في الآية بالموت على الردة ( قوله قلنا إلخ ) [ ص: 76 ] حاصل الجواب أن قوله تعالى { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } فيه ذكر عملين : أحدهما الردة ، والآخر الموت عليها : أي الاستمرار عليها إلى الموت ، وذكر جزاءين ، لكل عمل جزاء على اللف والنشر المرتب ، فإحباط الأعمال جزاء الردة ، والخلود في النار جزاء الموت عليها ، بدليل أنه في الآية الأولى علق حبط العمل على مجرد الكفر بما آمن به ، ومثله قوله تعالى { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } .

مطلب إذا أسلم المرتد هل تعود حسناته أم لا ؟

[ تنبيه ] مقتضى كون حبط العمل في الدنيا والآخرة جزاء الردة وإن لم يمت عليها عندنا أنه لو أسلم لا تعود حسناته وإلا كان جزاء لها وللموت عليها معا كما يقوله الشافعي رحمه الله تعالى . وفي البحر والنهر من باب المرتد عن التتارخانية معزيا إلى التتمة : لو تاب المرتد ، قال أبو علي وأبو هاشم من أصحابنا تعود حسناته . وقال أبو قاسم الكعبي لا تعود ، ونحن نقول إنه لا يعود ما بطل من ثوابه ، ولكن تعود طاعته المتقدمة مؤثرة في الثواب بعد ا هـ ولعل معنى كونها مؤثرة في الثواب بعد أن الله تعالى يثيبه عليها ثوابا جديدا بعد رجوعه إلى الإسلام غير الثواب الذي بطل ، أو أن الثواب بمعنى الاعتداد بها وعدم مطالبته بفعلها ثانيا وإن حكمنا ببطلانها لأن ذلك فضل من الله تعالى تأمل .

وبقي هل يسقط بإسلامه ما فعله من المعاصي قبل الردة ؟ مقتضى ما قدمناه عن الخانية أنها لا تسقط ، وهو قول كثير من المحققين . وعند العامة يسقط كما بسطهالقهستاني في باب المرتد ، وهو الظاهر ، لحديث { الإسلام يجب ما قبله } وهو بعمومه يشمل إسلام المرتد ، لكن ينبغي عدم الخلاف في لزوم قضاء ما تركه في الإسلام ، وإنما الخلاف في سقوط إثم التأخير والمطل في الدين الذي من حقوق العباد وسيأتي تحقيقه هناك إن شاء الله تعالى




الخدمات العلمية