الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولهذا لم يتنازع العلماء أن الرضا بما أمر الله ورسوله واجب ، بحيث لا يحبون كراهة ذلك ولا سخطه ، وأن محبة ذلك واجبة ، بحيث يبغض ما أبغضه الله ، ويسخط ما سخطه الله من المحظور ، ويحب ما أحبه الله ، ويرضى ما رضيه الله من المأمور . وإن تنازعوا في الرضا بما قدره الحق من الألم كالمرض والفقر ، فقيل : هو واجب ، وقيل : مستحب ، وهو أرجح . والقولان في أصحاب أحمد وغيرهم . وأما الصبر على ذلك فلا نزاع أنه واجب .

وقد قال في الأول : ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ولو أنهم رضوا ما آتاهم [ ص: 268 ] الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون [التوبة :58 - 59] . فجعل من المنافقين من سخط فيما منعه الله إياه ورسوله وحضهم بأن يرضوا بما آتاهم الله ورسوله . والذي آتاه الله ورسوله يتناول ما أباحه دون ما حظره ، ويدخل في المباح العام ما أوجبه وما أحبه .

وإذا كان الصبر على الضراء ونحو ذلك مما أوجبه الله وأحبه ، كما أوجبه الشكر على النعماء وأحبه ، كان كل من الصبر والشكر مما تجب محبته وعمله ، فيكون ما قدر للمؤمنين من سراء معها شكر وضراء معها صبر خيرا له ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له » .

وإذا كان ذلك خيرا فالخير هو المنفعة والمصلحة ، الذي فيه النعيم واللذة كما تقدم ، فيكون كل مقدور قدر للعبد إذا عمل فيه بطاعة الله ورسوله خيرا له ، وإنما يكون شرا لمن عمل بمعصية الله ورسوله ، وقبل ذلك فهو محنة وفتنة وبلاء ، قد يعمل فيه بطاعة الله ، وقد يعمل فيه بمعصية الله ، فلا يوصف بواحد من الأمرين .

آخره ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية