الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 354 ] ذكر خبر مدينة الحضر

كانت بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر ، وكان بها ملك يقال له الساطرون ، وكان من الجرامقة ، والعرب تسميه الضيزن ، وهو من قضاعة ، وكان قد ملك الجزيرة وكثر جنده ، وإنه تطرق بعض السواد إذ كان سابور بخراسان ، فلما عاد سابور أخبر بما كان منه ، فسار إليه وحاصره أربع سنين ، وقيل : سنتين ، لا يقدر على هدم حصنه ولا الوصول إليه .

وكان للضيزن بنت تسمى النضيرة ، فحاضت ، فأخرجت إلى ربض المدينة ، وكذلك كان يفعل بالنساء ، وكانت من أجمل النساء ، وكان سابور من أجمل الناس ، فرأى كل واحد منهما صاحبه فتعاشقا ، فأرسلت إليه : ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به سور المدينة ؟ فقال : أحكمك وأرفعك على نسائي . فقالت : عليك بحمامة ورقاء مطوقة فاكتب على رجلها بحيض جارية بكر زرقاء ، ثم أرسلها فإنها تقع على سور المدينة فيخرب ، وكان ذلك طلسم ذلك البلد . ففعل وتداعت المدينة ، فدخلها عنوة وقتل الضيزن وأصحابه ، فلم يبق منهم أحد يعرف اليوم ، وأخرب المدينة واحتمل النضيرة فأعرس بها بعين التمر ، فلم تزل ليلتها تتضور ، فالتمس ما يؤذيها فإذا ورقة آس ملتزقة بعكنة من عكن بطنها ، فقال لها : ما كان يغذوك به أبوك ؟ قالت : بالزبد والمخ وشهد الأبكار من النحل وصفو الخمر . فقال : وأبيك لأنا أحدث عهدا بك وآثر لك من أبيك ! فأمر رجلا فركب فرسا جموحا ثم عصب غدائرها بذنبه ثم استركضها فقطعها قطعا ، وقد أكثر الشعراء ذكر الضيزن في أشعارهم .

[ ص: 355 ] وفي أيام سابور ظهر ماني الزنديق وادعى النبوة ، وتبعه خلق كثير ، وهم الذين يسمون المانوية .

وكان ملكه ثلاثين سنة وخمسة عشر يوما ، وقيل : إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر وتسعة أيام .

التالي السابق


الخدمات العلمية