الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          فصل : ومن كرر محظورا في إحرامه من جنس غير قتل صيد ( بأن حلق ) شعرا وأعاده ( أو قلم ) أظفاره وأعاده ( أو لبس ) المخيط وأعاد لبسه أو غيره وكذا لو تعدد السبب فلبس لبرد ثم نزع أو لا ثم لبس لنحو مرض ( أو تطيب ) وأعاده ( أو وطئ وأعاده ) بالموطوءة أو غيرها ( قبل التكفير ) عن أول مرة في الكل ( ف ) عليه كفارة ( واحدة ) للكل لأن الله تعالى أوجب لحلق الرأس فدية واحدة ولم يفرق بين ما وقع في دفعة أو دفعات ( وإلا ) بأن كفر للمرة الأولى ( لزمه ) كفارة ( أخرى ) للمرة الثانية لعدم ما يسقطها ، كما لو حلف وحنث

                                                                          وإذا [ ص: 557 ] لبس وغطى رأسه ولبس الخف ففدية واحدة لأن الجميع جنس واحد قاله الزركشي وغيره .

                                                                          ( و ) إن كان المحظور ( من أجناس ) بأن حلق وقلم ظفره وتطيب ولبس مخيطا ( ف ) عليه ( لكل جنس فداء ) تفرقت أو اجتمعت لأنها محظورات مختلفة الأجناس ، فلم تتداخل أجزاؤها كالحدود المختلفة وعكسه إذا كانت من جنس واحد .

                                                                          ( و ) عليه ( في الصيود ولو قتلت معا جزاء بعددها ) لقوله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } ومثل المتعدد لا يكون مثل أحدها

                                                                          ( ويكفر ) وجوبا ( من حلق ) ناسيا أو جاهلا أو مكرها ( أو قلم ) أظفاره كذلك ( أو وطئ ) أو باشر كذلك وتقدم قريبا ( أو قتل صيدا ناسيا أو جاهلا أو مكرها ) أو نائما قلع شعرة أو صوب رأسه إلى تنور فأحرق اللهب شعره ; لأنه إتلاف فاستوى عمده وسهوه ، كإتلاف مال آدمي ولأنه تعالى أوجب الفدية على من حلق لأذى به وهو معذور فغيره أولى قال الزهري : تجب الفدية على قاتل الصيد معتمدا بالكتاب ، وعلى المخطئ بالسنة

                                                                          و ( لا ) يكفر ( من لبس ) ناسيا أو جاهلا أو مكرها ( أو تطيب ) في حال من ذلك ( أو غطى رأسه في حال من ذلك ) لحديث { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } ولأنه يقدر على رد هذه بالإزالة بخلاف الأول لأنها إتلاف ( ومتى زال عذره ) من نسيان أو جهل أو إكراه ( أزاله ) أي اللبس أو الطيب أو تغطية الرأس فينزع ما لبسه ويغسل الطيب ويكشف رأسه ( في الحال ) لحديث يعلى بن أمية وفيه { اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك أثر الخلوق - أو قال - أثر الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك } متفق عليه ولم يأمره بالفدية مع سؤال عما يصنع وتأخيره البيان عن وقت الحاجة غير جائز فدل على أنه عذر بجهله والناسي في معناه

                                                                          ( ومن لم يجد ماء لغسل طيب ) وهو محرم ( مسحه ) أي الطيب بنحو خرقة ( أو حكه بتراب أو نحوه ) لأن الواجب إزالته ( حسب الإمكان ) ويستحب أن يستعين في إزالته بخلال لئلا يباشره المحرم ( وله غسله بيده ) لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بغسله ، ولأنه تارك له .

                                                                          ( و ) له غسله ( بمائع ) طاهر لما مر وإذا أخره ) أي غسل الطيب عنه ( بلا عذر فدى ) للاستدامة أشبه الابتداء وإن وجد ماء لا يكفي لوضوئه وغسل الطيب غسله به وتيمم إن لم يقدر على قطع رائحته بغير الماء ( ويفدي من رفض إحرامه ثم فعل محظورا ) للمحظور ; لأن التحلل من الإحرام إما بكمال [ ص: 558 ] النسك أو عند الحصر ، أو بالعذر إذا شرط وما عداها ليس له التحلل به ولا يفسد الإحرام برفضه ، كما لا يخرج منه بفساده فإحرامه باق وتلزمه أحكامه ولا شيء عليه لرفض الإحرام لأنه مجرد نية لم يؤثر شيئا وقدم في الفروع يلزمه له دم

                                                                          ( ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه فله استدامته ) لحديث عائشة { كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم } متفق عليه ولأبي داود عنها { كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها } و ( لا ) يجوز لمحرم ( لبس مطيب بعده ) أي بعد الإحرام لحديث { لا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس } متفق عليه

                                                                          وإذا فعل ) أي لبس مطيبا بعد إحرامه فدى ( أو استدام لبس مخيط أحرم فيه ولو لحظة فوق ) الوقت ( المعتاد من خلعه فدى ) ; لأن استدامته كابتدائه ( ولا يشقه ) لحديث يعلى بن أمية ولأنه إتلاف مال بلا حاجة ولو وجب الشق أو الفدية بالإحرام فيه لبينه صلى الله عليه وسلم ( وإن لبس ) محرم ( أو افترش ما كان مطيبا وانقطع ريحه ) أي الطيب منه ( ويفوح ) ريحه ( برش ماء ) على ما كان مطيبا وانقطع ريحه ( ولو ) افترشه ( تحت حائل غير ثيابه لا يمنع الحائل ريحه ولا مباشرته فدى ) ; لأنه مطيب استعمله ، لظهور ريحه عند رش ، والماء لا ريح له وإنما الريح من الطيب الذي فيه وإن مس طيبا يظنه يابسا فبان رطبا ففي وجوب الفدية وجهان صوب في الإنصاف وتصحيح الفروع : لا فدية عليه ، وقال : قدمه في الرعاية الكبرى في موضع

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية