الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( بترك ) متعلق بيجب ( واجب ) مما مر في صفة الصلاة ( سهوا ) فلا سجود في العمد ، قيل إلا في أربع : ترك القعدة الأولى ، وصلاته فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ، وتفكره عمدا حتى شغله عن ركن ، وتأخير سجدة الركعة الأولى إلى آخر الصلاة نهر ( وإن تكرر ) لأن تكراره غير مشروع ( كركوع ) متعلق بترك واجب ( قبل قراءة ) الواجب لوجوب تقديمها ، ثم إنما يتحقق الترك بالسجود ; فلو تذكر ولو بعد الرفع من الركوع عاد ثم أعاد الركوع ، إلا أنه في تذكر الفاتحة [ ص: 81 ] يعيد السورة أيضا ( وتأخير قيام إلى الثالثة بزيادة على التشهد بقدر ركن ) وقيل بحرف . وفي الزيلعي : الأصح وجوبه باللهم صل على محمد ( والجهر فيما يخافت فيه ) للإمام ( وعكسه ) لكل مصل في الأصح والأصح تقديره ( بقدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين . وقيل ) قائله قاضي خان يجب السهو ( بهما ) أي بالجهر والمخافتة ( مطلقا ) أي قل أو كثر [ ص: 82 ] ( وهو ظاهر الرواية ) واعتمده الحلواني ( على منفرد ) متعلق بيجب ( ومقتد بسهو إمامه إن سجد إمامه ) لوجوب المتابعة ( لا بسهوه ) أصلا

التالي السابق


( قوله بترك واجب ) أي من واجبات الصلاة الأصلية لا كل واجب إذ لو ترك ترتيب السور لا يلزمه شيء مع كونه واجبا بحر . ويرد عليه ما لو أخر التلاوية عن موضعها فإن عليه سجود السهو كما في الخلاصة جازما بأنه لا اعتماد على ما يخالفه وصححه في الولوالجية أيضا . وقد يجاب بما مر من أنها لما كانت أثر القراءة أخذت حكمها تأمل . واحترز بالواجب عن السنة كالثناء والتعوذ ونحوهما وعن الفرض .

( قوله قيل إلا في أربع ) أشار إلى ضعفه تبعا لنور الإيضاح لمخالفته للمشهور في تسميته سجود سهو وإن سماه القائل به سجود عذر . وقد رده العلامة قاسم بأنه لا يعلم له أصل في الرواية ولا وجه في الدراية ا هـ . وأجاب في الحلية عن وجوب السجود في مسألة التفكر عمدا بأنه وجب لما يلزم منه من ترك واجب هو تأخير الركن أو الواجب عما قبله فإنه نوع سهو ، فلم يكن السجود لترك واجب عمدا ( قوله وتأخير سجدة الركعة الأولى ) الظاهر أن هذا القيد اتفاقي عند القائل به ، وإلا فالفرق بين الركعة الأولى وغيرها تحكم ، وكذا لا يظهر لقوله إلى آخر الصلاة وجه لأنه لو أخر إلى الركعة الثانية لكان كذلك عنده على ما يظهر ط .

( قوله وإن تكرر ) حتى لو ترك جميع واجبات الصلاة سهوا لا يلزمه إلا سجدتان بحر .

( قوله لأن تكراره غير مشروع ) سيأتي أن المسبوق يتابع إمامه فيه ثم إذا قام لقضاء ما فاته فسها فيه يسجد أيضا ، فقد تكرر . وأجاب في البدائع بأن المسبوق فيما يقضي كالمنفرد فهما صلاتان حكما وإن كانت التحريمة واحدة ، وتمامه في البحر .

( قوله متعلق بترك واجب ) أي مرتبط به على وجه التمثيل له ، وليس المراد التعلق النحوي ط أي بل هو خبر لمبتدإ محذوف أي وذلك كركوع .

( قوله لوجوب تقديمها ) أي تقديم قراءة الواجب . أما قراءة الفرض فتقديمها على الركوع فرض لا ينجبر بسجود السهو

والتحقيق أن تقديم الركوع على القراءة مطلقا موجب لسجود السهو ، لكن إذا ركع ثم قام فقرأ ، فإن أعاد الركوع صحت صلاته وإلا فسدت . أما إذا ركع قبل القراءة أصلا فظاهر . وأما إذا قرأ الفاتحة مثلا ثم ركع فتذكر السورة فعاد فقرأها ولم يعد الركوع فلأن ما قرأه ثانيا التحق بالقراءة الأولى فصار الكل فرضا فارتفض الركوع فإذا لم يعده تفسد صلاته ، نعم إذا كان قرأ الفاتحة والسورة ثم عاد لقراءة سورة أخرى لا يرتفض ركوعه كما نقله في الحلية عن الزاهدي وغيره ، فقد ظهر أن إيقاع الركوع قبل القراءة أصلا أو قبل قراءة الواجب يلزم به سجود السهو ، لكن إذا لم يعد الركوع يسقط سجود السهو لفساد الصلاة ، وإن أعاده صحت ويسجد للسهو .

وعلى هذا التقرير فما قدمه الشارح تبعا لغيره في واجبات الصلاة حيث عد منها الترتيب بين القراءة والركوع ناظر إلى مجرد التقديم والتأخير مع قطع النظر عن لزوم إعادة ما قدمه ، وما صرح به شراح الهداية وغيرهم من أنه لو قدم الركوع على القراءة تفسد الصلاة ناظر إلى الاكتفاء بما قدمه وعدم إعادته ، فلا تنافي بين كلامهم ( قوله ثم إنما يتحقق الترك ) أي ترك القراءة بمعنى فواتها على وجه لا يمكن فيه التدارك .

( قوله عاد ) أي إلى القيام ليقرأ .

( قوله ثم أعاد الركوع ) لأنه لما عاد وقرأ وقعت القراءة فرضا ; ولا ينافيه كون الفرض فيها آية واحدة والزائد واجب وسنة ، لأن معناه أن أقل الفرض آية ويجب أن يجعل ذلك الفرض الفاتحة والسورة . ويسن أن تكون [ ص: 81 ] السورة من طوال المفصل أو أوساطه أو قصاره ، حتى لو قرأ القرآن كله وقع فرضا ، كما أن الركوع بقدر تسبيحة فرض ، وتطويله بقدر ثلاث سنة كما حققه في شرح المنية ، وقدمناه في فصل القراءة .

والحاصل أن ما يقرؤه يلتحق بما قبل الركوع ويلغو هذا الركوع فتلزم إعادته ، حتى لو لم يعده بطلت صلاته بل ذكر في شرح المنية أنه لو قام لأجل القراءة ثم بدا له فسجد ولم يقرأ ولم يعد الركوع قال بعضهم : تفسد لأنه لما انتصب قائما للقراءة ارتفض ركوعه وإن كان البعض يقول لا تفسد ا هـ وهذا كله بخلاف ما لو تذكر القنوت في الركوع فالصحيح أنه لا يعود ، ولو عاد وقنت لا يرتفض ركوعه وعليه السهو لأن القنوت إذا أعيد يقع واجبا لا فرضا كما في شرح المنية ، وأما إذا عاد لقراءة سورة أخرى فلا يرتفض ركوعه كما قدمناه لأنه وقع بعد قراءة تامة فكان في موقعه وكان عوده إلى القراءة غير مشروع كما إذا عاد إلى القنوت بل أولى ، والله أعلم .

( قوله يعيد السورة أيضا ) أي لتقع القراءة مرتبة .

( قوله وتأخير قيام إلخ ) أشار إلى أن وجوب السجود ليس لخصوص الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل لترك الواجب وهو تعقيب التشهد للقيام بلا فاصل ; حتى لو سكت يلزمه السهو كما قدمناه في فصل إذا أراد الشروع . قال المقدسي : وكما لو قرأ القرآن هنا أو في الركوع يلزمه السهو مع أنه كلام الله تعالى ، وكما لو ذكر التشهد في القيام مع أنه توحيد الله تعالى . وفي المناقب أن الإمام رحمه الله رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال : كيف أوجبت السهو على من صلى علي فقال : لأنه صلى عليك سهوا ، فاستحسنه .

( قوله وفي الزيلعي إلخ ) جزم به المصنف في متنه في فصل إذا أراد الشروع وقال إنه المذهب واختاره في البحر تبعا للخلاصة والخانية . والظاهر أنه لا ينافي قول المصنف هنا بقدر ركن تأمل ، وقدمنا عن القاضي الإمام أنه لا يجب ما لم يقل وعلى آل محمد . وفي شرح المنية الصغير أنه قول الأكثر وهو الأصح قال الخير الرملي : فقد اختلف التصحيح كما ترى ، وينبغي ترجيح ما قاله القاضي الإمام . ا هـ . وفي التتارخانية عن الحاوي : وعلى قولهما لا يجب السهو ما لم يبلغ إلى قوله حميد مجيد .

( قوله والجهر فيما يخافت فيه للإمام إلخ ) في العبارة قلب ، وصوابها والجهر فيما يخافت لكل مصل وعكسه للإمام ح وهذا ما صححه في البدائع والدرر ، ومال إليه في الفتح وشرح المنية والبحر والنهر والحلية على خلاف ما في الهداية والزيلعي وغيرهما ، من أن وجوب الجهر والمخافتة من خصائص الإمام دون المنفرد .

والحاصل أن الجهر في الجهرية لا يجب على المنفرد اتفاقا ; وإنما الخلاف في وجوب الإخفاء عليه في السرية وظاهر الرواية عدم الوجوب كما صرح بذلك في التتارخانية عن المحيط ، وكذا في الذخيرة وشروح الهداية كالنهاية والكفاية والعناية ومعراج الدراية . وصرحوا بأن وجوب السهو عليه إذا جهر فيما يخافت رواية النوادر ا هـ فعلى ظاهر الرواية لا سهو على المنفرد إذا جهر فيما يخافت فيه وإنما هو على الإمام فقط .

( قوله والأصح إلخ ) وصححه في الهداية والفتح والتبيين والمنية لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه ، وعن الكثير يمكن ، وما تصح به الصلاة كثير ، غير أن ذلك عنده آية واحدة ، وعندهما ثلاث آيات هداية .

( قوله في الفصلين ) أي في المسألتين مسألة الجهر والإخفاء .

( قوله قل أو كثر ) أي ولو كلمة . قال القهستاني : والمتبادر أن يكون هذا في صورة [ ص: 82 ] أن ينسى أن عليه المخافتة فيجهر قصدا ، وأما إذا علم أن عليه المخافتة فيجهر لتبيين الكلمة فليس عليه شيء . ا هـ .

( قوله وهو ظاهر الرواية ) قال في البحر : وينبغي عدم العدول عن ظاهر الرواية الذي نقله الثقات من أصحاب الفتاوى . ا هـ . زاد المصنف في منحه : وإنما عولنا على الأول تبعا للهداية ، وأنا أعجب من كثير من كمل الرجال كيف يعدل عن ظاهر الرواية الذي هو بمنزلة نص صاحب المذهب إلى ما هو كالرواية الشاذة . ا هـ .

أقول : لا عجب من كمل الرجال كصاحب الهداية والزيلعي وابن الهمام حيث عدلوا عن ظاهر الرواية لما فيه من الحرج ، وصححوا الرواية الأخرى للتسهيل على الأمة ، وكم له من نظير ولذا قال القهستاني : ويجب السهو بمخافتة كلمة لكن فيه شدة . وقال في شرح المنية : والصحيح ظاهر الرواية ، وهو التقدير بما تجوز به الصلاة من غير تفرقة لأن القليل من الجهر في موضع المخافتة عفو أيضا ; ففي حديث أبي قتادة في الصحيحين { أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم القرآن وسورتين ، وفي الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا } . ا هـ . ففيه التصريح بأن ما صححه في الهداية ظاهر الرواية أيضا ، فإن ثبت ذلك فلا كلام ، وإلا فوجه تصحيحه ما قلنا وتأيده بحديث الصحيحين وقد قدمنا في واجبات الصلاة عن شرح المنية أنه لا ينبغي أن يعدل عن الدراية أي الدليل إذا وافقتها رواية .

[ تتمة ] قد صرحوا بأنه إذا جهر سهوا بشيء من الأدعية والأثنية ولو تشهدا فإنه لا يجب عليه السجود . قال في الحلية : ولا يعرى القول بذلك في التشهد عن تأمل ا هـ وأقره في البحر . هذا وقد قدمنا في فصل القراءة الكلام على حد الجهر فراجعه ( قوله متعلق بيجب ) أي المذكور أول الباب ( قوله إن سجد إمامه ) أما لو سقط عن الإمام بسبب من الأسباب بأن تكلم أو أحدث متعمدا أو خرج من المسجد فإنه يسقط عن المقتدي بحر . والظاهر أن المقتدي تجب عليه الإعادة كالإمام إن كان السقوط بفعله العمد لتقرر النقصان بلا جابر من غير عذر تأمل .

( قوله لوجوب المتابعة ) علة لوجوبه على المقتدي بسهو إمامه ولأن النقصان دخل في صلاته أيضا لارتباطها بصلاة الإمام .

( قوله لا بسهوه أصلا ) قيل لا فائدة لقوله أصلا ، وليس بشيء ، بل هو تأكيد لنفي الوجوب لأن معناه لا قبل السلام للزوم مخالفة الإمام ولا بعده لخروجه من الصلاة بسلام الإمام لأنه سلام عمد ممن لا سهو عليه كما في البحر ، لكن قال في النهر لقائل أن يقول لا نسلم أنه يخرج منها بسلامه ، وقد سبق خلاف فيمن لا سهو عليه فكيف بمن عليه السهو ؟ وحينئذ فيمكنه أن يأتي بهذا الجابر . ا هـ .

قلت : وقدم الشارح في نواقض الوضوء أنه لو قهقه بعد كلام الإمام أو سلامه عمدا فسدت طهارته في الأصح وقدمنا هناك تصحيحه عن الفتح والخانية على خلاف ما صححه في الخلاصة من عدم الفساد ، ولا شك أن فساد طهارته مبني على عدم خروجه من الصلاة بسلام إمامه أو كلامه فما هنا مبني على ما صححه في الخلاصة ، ولذا قال في المعراج بعد تعليله المسألة بأنه يخرج بسلام الإمام ، كذا قيل ، وفيه تأمل ، بل الأولى التمسك بما روى ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم { ليس على من خلف الإمام سهو } ا هـ .

[ تنبيه ] قال في النهر : ثم مقتضى كلامهم أنه يعيدها لثبوت الكراهة مع تعذر الجابر




الخدمات العلمية