الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5384 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فيعذ به " . متفق عليه ، وفي رواية لمسلم : قال : " تكون فتنة ، النائم فيها خير من اليقظان ، واليقظان فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الساعي ، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليستعذ به " .

التالي السابق


5384 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ستكون فتن " ) أي : عظيمة أو كثيرة ، متعاقبة متوالية أو متراخية ( القاعد فيها ) أي : في تلك الفتن ( خير من القائم ) ; لأنه يرى ويسمع ما لا يراه ولا يسمعه القاعد ، فيكون أقرب من عذاب تلك الفتنة بمشاهدته ما لا يشاهده القاعد ، ويمكن أن يكون المراد بالقاعد هو الثابت في مكانه غير متحرك لما يقع من الفتنة في زمانه ، والمراد بالقائم ما يكون فيه نوع باعث وداعية ، لكنه متردد في إثارة الفتنة ، ( " والقائم فيها " ) أي : من بعيد متشرف عليها ، أو القائم بمكانه في تلك الحالة ( " خير من الماشي " ) أي : من الذاهب على رجله إليها ( " والماشي فيها " ) أي : إليها أو فيما بينها ( " خير من الساعي " ) أي : من المسرع إليها ماشيا أو راكبا ( " من تشرف لها " ) بتشديد الراء أي : من نظر إليها ( " تستشرف " ) بالجزم ويرفع أي : تطلبه وتجذبه إليها . قال التوربشتي - رحمه الله : أي : من تطلع لها دعته إلى الوقوع فيها ، والتشرف التطلع ، واستعير هنا للإصابة بشرها ، أو أريد به أنها تدعوه إلى زيادة النظر إليها ، وقيل : إنه من استشرفت الشيء أي علوته ، يريد من انتصب لها انتصبت له وصرعته ، وقيل : هو من المخاطرة والإشفاء على الهلاك ، أي : من خاطر بنفسه فيها أهلكته .

قال الطيبي - رحمه الله : ولعل الوجه الثالث أولى ; لما يظهر منه معنى اللام في " لها " ، وعليه كلام الفائق ، وهو قوله : أي : من غالبها غلبته . قلت : ولعل الوجه الأول أولى ; لما فيه من رعاية المعنى المفهوم منه المبالغة المفيدة للاحتراس ، واختيار الأخرى النافع في الدنيا والأخرى . قال شارح : تشرف واستشرف أي : صعد شرفا ، أي : مرتفعا لينظر إلى شيء ، هذا هو الأصل ، ثم استعملا في النظر إلى أي شيء في أي مكان ، كان يعني من قرب من تلك الفتن ونظر إليها نظرت إليه الفتن ، وتجره إلى نفسها ، فالخلاص في التباعد منها والهلاك في مقاربتها ، ( " فمن وجد ملجأ " ) أي : مناصا ومفرا ومهربا ( أو معاذا ) بفتح الميم أي : موضعا أو شخصا ملاذا يتخلص بالذهاب إليه ، وبالعياذ به من الفتن ( " فليعذ " ) بضم العين أي : فليستعذ ( به ) أي : بالمعاذ ، أو بما ذكر من الملجأ والمعاذ ، أي : فليعذ إليهما ، ( متفق عليه ) . ورواه أحمد ( وفي رواية لمسلم - رحمه الله - قال : " تكون فتنة " ) أي : عظيمة ( " النائم فيها خير من اليقظان " ) بسكون القاف أي : المنتبه ; لعدم شعور النائم عنها ، وفي معناه الغافل ولو كان يقظان ، فالمراد باليقظان هو العالم بالفتنة ، سواء كان مضطجعا أو قاعدا أو قائما ( " واليقظان " ) أي : مضطجعا أو جالسا ( " خير من القائم " ) أي : لتطلعه وإشرافه ، أو لأن فيه نوع حركة ( " والقائم فيها " ) أي : لتوقفه في مكانه ( " خير من الساعي " ) أي : مشيا أو ركوبا إليها ( من وجد ملجأ أو معاذا فليستعذ به ) ، وفي الجامع : روى الحاكم عن خالد بن عرفطة : ستكون أحداث وفتنة وفرقة واختلاف ، فإن استطعت أن تكون المقتول لا القاتل فافعل .




الخدمات العلمية