الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وغني يملك نصابا ) أي لا يجوز الدفع له لحديث معاذ المشهور { خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم } أطلقه فشمل النصاب النامي السالم من الدين الفاضل عن الحوائج الأصلية الموجب لكل واجب مالي ، والنصاب الذي ليس بنام الفارع عما ذكر الموجب لثلاثة صدقة الفطر والأضحية ونفقة القريب فإن كلا منهما محرم لأخذ الزكاة ، ولا يرد عليه الغني بقوت يومه فإنه لا يملك نصابا وتسمية الشارحين له نصابا وجعلهم النصب ثلاثة مجاز ; لما في الصحاح : النصاب من المال القدر الذي يجب فيه الزكاة إذا بلغه نحو مائتي درهم وخمس من الإبل ; إذ ليس قوت اليوم مقدرا لكن في ضياء الحلوم نصاب كل شيء أصله ، ومنه النصاب المعتبر في وجوب الزكاة ، وهو يقتضي إطلاق النصاب عليه حقيقة ; إذ قوت اليوم أصل تحريم السؤال وقيدنا بكونه فارغا عن الحوائج الأصلية ; لأنه لو كان مستغرقا بها حلت له فتحل لمن ملك كتبا تساوي نصابا ، وهو من أهلها للحاجة لا إن زادت على قدرها أو كان جاهلا ، والفقيه غني بكتبه ولو كان محتاجا إليها لقضاء دينه فيجب بيعها كما في القنية من باب الحبس من القضاء ، ويحل لمن له دور وحوانيت تساوي نصبا ، وهو محتاج لغلتها لنفقته ونفقة عياله على خلاف فيه ولمن عنده طعام سنة تساوي نصابا لعياله على ما هو الظاهر بخلاف قضاء الدين فإنه يجب عليه بيع قوته إلا قوت يومه كما في القنية من الحبس وحلت لمن له نصاب ، وعليه دين مستغرق أو منقص للنصاب وحلت لمن له كسوة الشتاء لا يحتاج إليها في الصيف ، وللمزارع إذا كان له ثوران لا إن زاد وبلغ نصابا ، ولا تحل لمن له دار تساوي نصبا ، والفاضل عن سكناه يبلغ نصابا

                                                                                        وقيد بملك النصاب ; لأن من ملك ما دونه يحل له أخذها إذا كان قيمته لا تبلغ نصابا ، ولو كان صحيحا مكتسبا قيدنا به ; لأنه لو كان تسعة عشر دينارا تساوي ثلاثمائة درهم لا تحل له الزكاة كذا في المحيط عن محمد ، وفي الفتاوى الظهيرية خلافه قال : وقال هشام : سألت محمدا عن رجل له تسعة عشر دينارا تساوي ثلاثمائة درهم هل يسعه أن يأخذ قال نعم ، ولا يجب عليه صدقة فطره ، وقيد بالزكاة ; لأن النفل يجوز للغني كما للهاشمي ، وأما بقية الصدقات المفروضة والواجبة كالعشر والكفارات والنذور وصدقة الفطر فلا يجوز صرفها للغني لعموم قوله عليه الصلاة والسلام { لا تحل صدقة لغني } خرج النفل منها ; لأن الصدقة على الغني هبة كذا في البدائع وأما صدقة الوقف فيجوز صرفها إلى الأغنياء إن سماهم الواقف ، وإلا فلا ; لأنها من الصدقة الواجبة كذا في البدائع أيضا

                                                                                        وفرعوا على منع دفع الزكاة للغني ما لو دفع قوم زكاتهم إلى من يجمعها لفقير فاجتمع عند الآخذ أكثر من مائتين فإن كان جمعه له بأمره قالوا : [ ص: 264 ] كل من دفع قبل أن يبلغ ما في يد الجابي مائتين جازت زكاته ، ومن دفع بعده لا يجوز إلا أن يكون الفقير مديونا فيعتبر هذا التفصيل في مائتين تفضل بعد دينه فإن كان بغير أمره جاز الكل مطلقا ; لأنه في الأول هو وكيل عن الفقير فما اجتمع عنده يملكه ، وفي الثاني وكيل الدافعين فما اجتمع عنده ملكهم كذا في فتح القدير وللغني أن يشتري الصدقة الواجبة من الفقير ويأكلها ، وكذا لو وهبها له علم أن تبدل الملك كتبدل العين فلو أباحها له ، ولم يملكها منه ذكر أبو المعين النسفي أنه لا يحل تناوله للغني وقال خواهر زاده يحل كذا في الفوائد التاجية والذي يظهر ترجيح الأول ; لأن الإباحة لو كانت كافية لما قال عليه الصلاة والسلام في واقعة بريرة { هو لها صدقة ولنا هدية } كما لا يخفى إلا أن يقال بالفرق بين الهاشمي والغني

                                                                                        وإن قيل به فصحيح لما تقدم أن الشبهة في حق الهاشمي كالحقيقة بدليل منع الهاشمي من العمالة بخلاف الغني ، ودخل تحت النصاب النامي المذكور أولا الخمس من الإبل السائمة فإن ملكها أو نصابا من السوائم من أي مال كان لا يجوز دفع الزكاة له سواء كان يساوي مائتي درهم أو لا ، وقد صرح به شراح الهداية عند قوله من أي مال كان ، وفي معراج الدراية قوله : ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك ، ولكنه لا يطيب للآخذ ; لأنه لا يلزم من جواز الدفع جواز الأخذ كظن الغني فقيرا ا هـ .

                                                                                        وهو غير صحيح ; لأن المصرح به في غاية البيان وغيرها أنه يجوز أخذها لمن ملك أقل من النصاب كما يجوز دفعها نعم الأولى عدم الأخذ لمن له سداد من عيش كما صرح به في البدائع

                                                                                        [ ص: 263 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 263 ] ( قوله : ولا تحل لمن له دار تساوي نصبا إلخ ) هذه رواية ابن سماعة عن محمد قال في التتارخانية ، وفي البقالي وأطلق في الكشف عن محمد رحمه الله إذا كان له دار تساوي عشرة آلاف درهم ، ولو باعها واشترى بألف لوسعه ذلك لا آمر ببيعها ثم نقل عن الصغرى إذا كان له دار يسكنها يحل له الصدقة ، وإن لم تكن الدار جميعا مستحقة لحاجته بأن كان لا يسكن الكل هو الصحيح ( قوله : قيدنا به ) أي بقوله إذا كان قيمته أي قيمة ما دون النصاب لا تساوي نصابا

                                                                                        [ ص: 264 ] ( قوله : سواء كان يساوي مائتي درهم أو لا ) تبعه على هذه أخوه وتلميذه في المنح وجزم في الشرنبلالية بأنه وهم ، قال : وقد ذكر خلافه في الأشباه والنظائر في فن المعاياة فقد ناقض نفسه ، ولم أر أحدا من شراح الهداية صرح بما ادعاه بل عبارتهم مفيدة خلافه غير أنه قال في العناية : ولا يجوز دفع الزكاة إلى من ملك نصابا سواء كان من النقود أو السوائم أو العروض ا هـ .

                                                                                        فأوهم ما ذكره ، وهو مدفوع ; لأن قول العناية سواء كان إلخ مفيد تفسير النصاب بالقيمة مطلقا لما أن العروض ليس نصابها إلا ما يبلغ قيمته مائتي درهم ، وقد صرح بأن المعتبر مقدار النصاب في التبيين وغيره ، واستدل له في الكافي بقوله عليه السلام { من سأل ، وله ما يغنيه فقد سأل الناس إلحافا قيل : وما الذي يغنيه قال : مائتا درهم ، أو عدلها } ا هـ .

                                                                                        ونحوه في المحيط فقد شمل الحديث اعتبار السائمة بالقيمة لإطلاقها وقد نص على اعتبار قيمة السوائم في عدة كتب من غير خلاف في الأشباه والسراج والوهبانية وشرحها للمصنف ولابن الشحنة والذخائر الأشرفية ، وفي الجوهرة قال المرغيناني إذا كان له خمس من الإبل قيمتها أقل من مائتي درهم تحل له الزكاة وتجب عليه ، وبهذا أظهر أن المعتبر نصاب النقد من أي مال كان بلغ نصابا أي من جنسه أو لم يبلغ ا هـ .

                                                                                        ما نقله عن المرغيناني ا هـ ما في الشرنبلالية .

                                                                                        ووفق بعض محشي الدر المختار بحمل ما مر عن المحيط والظهيرية على اختلاف الرواية عن محمد في أن المعتبر في النصاب المحرم الوزن أو القيمة فما في المحيط الثاني ، وما في الظهيرية الأول والظاهر أن اعتبار الوزن خاص بالموزون لتأتيه فيه أما المعدود كالسائمة فيعتبر فيه العدد بدل الوزن فما في البحر والنهر والمنح مرور على ما في الظهيرية وما في الشرنبلالية على ما في المحيط ، وبهذا يندفع التنافي بين كلام القوم ا هـ ملخصا قلت : هذا ممكن ، ولكن لو ورد في كلامهم ما هو صريح فيما قاله المؤلف لحصل التنافي أما مع عدمه على ما ادعاه الشرنبلالي فلا حاجة إليه لعدم التنافي تأمل




                                                                                        الخدمات العلمية