الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما المسلم إذا تاب ففي قضاء الصلاة والصيام نزاع ، ومما يقوي هذا أن هذا المال لا يتلف بلا نزاع ، بل إما أن يتصدق به ، وإما أن يدفع إلى الزاني والشارب الذي أخذ منه مع كونه مصرا ، وإما أن يجعل لهذا القابض التائب .

فإذا دفعه إلى الزاني والشارب فلا يقوله من يتصور ما يقول ، وإن [ ص: 280 ] كان من الفقهاء من يقوله ، فإن في هذا فسادا مضاعفا ، فإن ذلك كان ممنوعا من الشرب والزنا ولو بذل العوض ، فإذا كان قد فعله بعوض وأعيد إليه العوض كان ذلك زيادة إعانة له وإغراء له بالسيئات .

وأما الصدقة فهي أوجه ، لكن يقال : هذا الباب أحق به من غيره ، ولا ريب إن كان صاحب هذا الباب فقيرا فهو أحق به من غيره من الفقراء ، وبهذا أفتيت غير مرة ، وإذا كان التائب فقيرا يأخذ منه حاجته ، فإنه أحق به من غيره ، وهو إعانة له على التوبة ، وإن كلف إخراجه تضرر غاية التضرر ولم يتب . وأيضا فلا مفسدة في أخذه ، فإن المال قد أخذه وخرج عن حكم صاحبه ، وعينه ليست محرمة ، وإنما حرم لكونه استعين به على محرم ، وهذا قد غفر بالتوبة فيحل له مع الفقر بلا ريب ، وأخذ ذلك له مع الغنى وجه ، وفيه تيسير التوبة على من كسب مثل هذه الأموال .

وأما الربا فإنه قبض برضا صاحبه ، والله سبحانه يقول : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ، ولم يقل : فمن أسلم ، ولا من تبين له التحريم ، بل قال : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى ، والموعظة تكون لمن علم التحريم أعظم مما تكون لمن لم يعلمه ، قال الله تعالى : يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين [النور :17] ، وقال : أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا [النساء :63] . [ ص: 281 ]

وأيضا فهذا وسط بين الغريمين ، فإن الغريم المدين ينهى أن يسقط عنه الزيادة ، وهذا عنده غاية السعادة ، وذلك لا ينهى أن يبقى له ما قبض ، وقد عفا الله عما مضى . وأما تكليف هذا إعادة القرض فذلك مثل مطالبة الغريم بما بقي ، وكلاهما فيه شطط وشدة عظيمة ، فهذا هذا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية