الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( سها عن القعود الأول من الفرض ) ولو عمليا ، أما النفل فيعود ما لم يقيد بالسجدة ( ثم تذكره عاد إليه ) وتشهد ، ولا سهو عليه في الأصح [ ص: 84 ] ( ما لم يستقم قائما ) في ظاهر المذهب ، وهو الأصح فتح ( وإلا ) أي وإن استقام قائما ( لا ) يعود لاشتغاله بفرض القيام ( وسجد للسهو ) لترك الواجب ( فلو عاد إلى القعود ) بعد ذلك ( تفسد صلاته ) لرفض الفرض لما ليس بفرض وصححه الزيلعي ( وقيل لا ) تفسد لكنه يكون مسيئا ويسجد لتأخير الواجب ( وهو الأشبه ) كما حققه الكمال وهو الحق بحر ، وهذا في غير المؤتم ; أما المؤتم فيعود [ ص: 85 ] حتما وإن خاف فوت الركعة لأن القعود فرض عليه بحكم المتابعة سراج . وظاهره أنه لو لم يعد بطلت بحر . قلت : وفيه كلام . والظاهر أنها واجبة في الواجب فرض في الفرض نهر ، ولنا فيها رسالة حافلة فراجعها .

التالي السابق


( قوله ولو عمليا ) كالوتر فلا يعود فيه إذا استتم قائما . وعلى قولهما يعود لأنه من النفل ط .

( قوله أما النفل فيعود إلخ ) جزم به في المعراج والسراج وعلله ابن وهبان بأن كل شفع منه صلاة على حدة ولا سيما على قول محمد بأن القعدة الأولى منه فرض فكانت كالأخيرة ، وفيها يقعد وإن قام . وحكى في المحيط فيه خلافا ، وكذا في شرح التمرتاشي ، قيل يعود وقيل لا . وفي الخلاصة : والأربع قبل الظهر كالتطوع ، وكذا الوتر عند محمد وتمامه في النهر ، لكن في التتارخانية عن العتابية قيل في التطوع يعود ما لم يقيد بالسجدة والصحيح أنه لا يعود ا هـ وأقره في الإمداد لكن خالفه في متنه تأمل .

( قوله ما لم يقيد بالسجدة ) أي يقيد الركعة التي قام إليها ( قوله عاد إليه ) أي وجوبا نهر .

( قوله ولا سهو عليه في الأصح ) يعني إذا عاد قبل أن يستتم قائما وكان إلى القعود أقرب فإنه لا سجود عليه في الأصح وعليه الأكثر . واختار في الولوالجية وجوب السجود ، وأما إذا عاد وهو إلى القيام أقرب فعليه سجود السهو كما في نور الإيضاح وشرحه بلا حكاية خلاف فيه [ ص: 84 ] وصحح اعتبار ذلك في الفتح بما في الكافي إن استوى النصف الأسفل وظهر بعد منحن فهو أقرب إلى القيام ، وإن لم يستو فهو أقرب إلى القعود .

ثم اعلم أن حالة القراءة تنوب عن القيام في مريض يصلي بالإيماء ، حتى لو ظن في حالة التشهد الأول أنها حالة القيام فقرأ ثم تذكر لا يعود إلى التشهد كما في البحر عن الولوالجية .

( قوله في ظاهر المذهب إلخ ) مقابله ما في الهداية : إن كان إلى القعود أقرب عاد ولا سهو عليه في الأصح ، ولو إلى القيام أقرب فلا وعليه السهو ، وهو مروي عن أبي يوسف واختاره مشايخ بخارى وأصحاب المتون كالكنز وغيره ومشى في نور الإيضاح على الأول كالمصنف تبعا لمواهب الرحمن وشرحه البرهان . قال : ولصريح ما رواه أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم { إذا قام الإمام في الركعتين ، فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس ، وإن استوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو } . ا هـ .

قلت : لكن قال في الحلية : إنه نص فيه يفيد تعين العمل به لولا ما في ثبوته من النظر ، فإن في سنده جابرا الجعفي من علماء الشيعة جارحوه أكثر من موثقيه . وقال الإمام أبو حنيفة فيه : ما رأيت أكذب منه ، فلا جرم إن قال شيخنا في التقريب رافضي ضعيف انتهى فلا تقوم الحجة بحديثه . ا هـ . ( قوله أي وإن استقام قائما ) أفاد أن لا في قوله وإلا نافية داخلة على قوله لم يستقم ، وهو نفي أيضا فكان إثباتا أفاده ط .

( قوله لترك الواجب ) وهو القعود ( قوله بعد ذلك ) أي بعدما استقام قائما ، ومثله ما إذا عاد بعد ما صار إلى القيام أقرب على الرواية الأخرى ولذا قال في البحر : ثم لو عاد في موضع وجوب عدمه اختلفوا في فساد صلاته ، فهذه العبارة تصدق على الروايتين .

( قوله لكنه يكون مسيئا ) أي ويأثم كما في الفتح ، فلو كان إماما لا يعود معه القوم تحقيقا للمخالفة ، ويلزمه القيام للحال ، شرح المنية عن القنية .

( قوله لتأخير الواجب ) الأولى أن يقول لتأخير الفرض وهو القيام أو لترك الواجب وهو القعود ط .

( قوله كما حققه الكمال ) أي بما حاصله أن ذلك وإن كان لا يحل لكنه بالصحة لا يخل لما عرف أن زيادة ما دون ركعة لا يفسد ، وقواه في شرح المنية بما قدمناه آنفا عن القنية فإنه يفيد عدم الفساد بالعود ، وأيده في البحر أيضا بما في المعراج عن المجتبى لو عاد بعد الانتصاب مخطئا ، قيل يتشهد لنقضه القيام والصحيح لا ، بل يقوم ، ولا ينتقض قيامه بقعود لم يؤمر به كمن نقض الركوع لسورة أخرى لا ينتقض ركوعه ا هـ . وبحث فيه في النهر فراجعه .

( قوله وهو الحق بحر ) كأن وجهه ما مر عن الفتح ، أو ما في المبتغى من أن القول بالفساد غلط لأنه ليس بترك بل هو تأخير كما لو سها عن السورة فركع فإنه يرفض الركوع ويعود إلى القيام ويقرأ ، وكما لو سها عن القنوت فركع فإنه لو عاد وقنت لا تفسد على الأصح ا هـ لكن بحث فيه في البحر بإبداء الفرق ، وهو أنه إذا عاد وقرأ السورة صارت فرضا فقد عاد من فرض إلى فرض وكذا في القنوت لأن له شبهة القرآنية أو عاد إلى فرض وهو القيام لأن كل فرض طوله يقع فرضا . ا هـ . وأقره في النهر وشرح المقدسي .

أقول : وفيه نظر ، فإن القنوت الذي قيل إنه كان قرآنا فنسخ هو الدعاء المخصوص وهو سنة ، فلا يلزم قراءته بل قد يقرأ غيره ، وكونه عاد إلى فرض وهو القيام ممنوع بل عاد إلى القيام الذي هو الرفع من الركوع بدليل أن الركوع لم يرتفض بعوده لأجل القنوت ، فكان فيه تأخير الفرض لا تركه ، فهو مثل عوده إلى القعود في مسألتنا ، نعم بحثه في عوده إلى القراءة مسلم ، والله أعلم .

( قوله وهذا في غير المؤتم إلخ ) أي ما ذكر من منعه عن العود [ ص: 85 ] إلى القعود بعد القيام ; والخلاف في الفساد لو عاد إنما هو في الإمام والمنفرد ، أما المقتدي الذي سها عن القعود فقام وإمامه قاعد فإنه يلزمه العود لأن قيامه قبل إمامه غير معتبر ، فليس في عوده رفض الفرض ، بل قال في شرح المنية عن القنية : إن المقتدي لو نسي التشهد في القعدة الأولى فذكر بعد ما قام عليه أن يعود ويتشهد ، بخلاف الإمام والمنفرد للزوم المتابعة ، كمن أدرك الإمام في القعدة الأولى فقعد معه فقام الإمام قبل شروع المسبوق في التشهد فإنه يتشهد تبعا لتشهد إمامه فكذا هذا . ا هـ .

( قوله وإن خاف فوت الركعة ) أي الثالثة مع الإمام ط .

( قوله وظاهره ) أي تعليل السراج بأن القعود فرض ط وكذا تعليل القنية الذي ذكرناه .

( قوله والظاهر أنها واجبة إلخ ) لم يبين حكمها في السنن والظاهر السنية لأن السنن المطلوبة في الصلاة يستوي فيها الإمام والمنفرد والمقتدي غالبا ، وقوله فرض في الفرض : معناه أن يأتي بذلك الفرض ولو بعد إتيان الإمام لا قبله ، وليس المراد المشاركة في جزء منه ط .

قلت : وعلى ما استظهره الشارح تبعا للنهر يشكل العود إلى قراءة التشهد بعد التلبس بالقيام الفرض مع إمامه فتأمل ( قوله ولنا فيها رسالة حافلة ) لم أطلع عليها ; ولكن قدمنا في آخر واجبات الصلاة شيئا من الكلام على المتابعة بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى




الخدمات العلمية