الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وأنفقوا في سبيل الله والإلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد .

                                                          [ ص: 596 ] وقد تضافرت الروايات بمثل ذلك مما يجعلنا نفهم أن الآية الكريمة تتجه إلى حماية الدولة والجماعة من أن تلقي بيدها إلى التهلكة ، بترك الضعفاء فيها ، وترك الجهاد دفاعا عنها ، وعدم الاستعداد لأعدائها .

                                                          ولكن عموم الآية قد يشمل حال الآحاد إذا أقدموا على ما يضرهم من غير أي فائدة تعود على الجماعة من إقدامهم ولو كانت الفائدة معنوية أدبية ، فإن ذلك يسير عليه النهي بمقتضى العموم ، وليس منه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقول كلمة الحق للظالمين ، فإن ذلك فيه فائدة معنوية للأمة ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر فقتله " .

                                                          وقد اختلف العلماء فيمن أقدم على مهاجمة عدو كثير العدد وحده ، فسوغه ناس لما فيه فائدة للجماعة ولو معنوية ، ومنعه آخر لأنه لم ير فيه أية فائدة للأمة ، وفيه المضرة على من أقدم ، فتنطبق عليه الآية .

                                                          والخلاصة أن الآية ينطبق النهي فيها على الأمة إن تركت أمر حمايتها من الآفات الاجتماعية في الداخل ، وغارات الأعداء في الخارج حتى هلكت ، وينطبق النهي على الآحاد إن أقدموا على ما يهلكهم من غير أي نفع مادي أو أدبي لأمتهم .

                                                          وأحسنوا إن الله يحب المحسنين الإحسان في لغة القرآن الكريم يطلق بإطلاقين ، أحدهما : الإتقان والإجادة في العمل والقيام بالطاعات على وجهها ، ومن ذلك قوله تعالى : إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وقوله تعالى : الذي أحسن كل شيء خلقه والثاني : التفضل على [ ص: 597 ] غيره بالعطاء والزيادة فيه ; وعندي أن هذا في الجملة يعود إلى الأول لأن ذلك من قبيل إتقان العبادة ، والإخلاص الكامل فيها .

                                                          وعلى ذلك نرى أن الإحسان هنا هو الإجادة والإتقان ، وقد أمر الله سبحانه المؤمنين بعد الأمر بالقتال أن يجيدوا كل أعمالهم كل الإجادة ، وأن يحتاطوا في كل ما هو متصل بحياتهم الشخصية وأحوالهم الاجتماعية ، وشئون دولتهم وما يقيم أودها ويصلح أمرها ; ففي الحرب جلاد وجهاد وفداء ، وفي السلم إعداد واستعداد ومحبة وولاء ، ومودة بينهم وإخاء ; ليكونوا كما وصف الله الأسلاف أشداء على الكفار رحماء بينهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين فإن لم يكونوا كذلك فقدوا عون الله ونصرته ، بعد أن فقدوا عزة الإسلام وهدايته ; لأن الله مع من يحسن ، ولا يحب سواه ; إذ قال : إن الله يحب المحسنين

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية