الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
51 - " أبشروا؛ وبشروا من وراءكم؛ أنه من شهد أن لا إله إلا الله؛ صادقا بها؛ دخل الجنة " ؛ (حم طب) عن أبي موسى ؛ (صح).

التالي السابق


(أبشروا) ؛ بفتح الهمزة؛ وكسر المعجمة؛ (وبشروا) ؛ أي: أخبركم بما يسركم؛ وأخبروا؛ (من وراءكم) ؛ بفتح الميم؛ في رواية؛ وكسرها؛ في أخرى؛ يعني: أخبروا من قدامكم؛ ممن سيوجد في المستقبل؛ أو يقدم عليكم في الآتي؛ كذا قرره شارحون؛ وهو وإن كان صحيحا في نفسه؛ لا يلائم قوله الآتي: " فخرجنا من عنده نبشر" ؛ والمناسب له: أخبروا من لقيتموه؛ و" وراء" ؛ كلمة تكون خلفا؛ وتكون قداما؛ وأكثر ما تكون في المواقيت من الأيام والليالي؛ لأن الوقت يأتي بعد مضي الإنسان؛ فيكون وراءه؛ وإن أدركه الإنسان كان قدامه؛ ويجوز أن يكون المعنى: أخبروا من سواكم؛ فإن " وراء" ؛ أيضا تأتي بمعنى " سوى" ؛ كقوله (تعالى): فمن ابتغى وراء ذلك ؛ أي: سواه؛ والمراد: أخبروهم بما يسرهم؛ وهو (أنه) ؛ أي: بأنه؛ (من شهد أن) ؛ أي: أنه؛ (لا إله) ؛ أي: لا معبود بحق في الوجود؛ (إلا الله) ؛ الواجب الوجود لذاته؛ (صادقا) ؛ نصب على الحال؛ (بها) ؛ أي: الشهادة؛ أي: مخلصا في إتيانه بها؛ بأن يصدق قلبه لسانه؛ (دخل الجنة) ؛ إن مات على ذلك؛ ولو بعد دخوله النار؛ فمآله إلى الجنة؛ ولا بد؛ فالميت فاسقا تحت المشيئة؛ إن شاء عذبه؛ كما يريد؛ ثم مصيره إلى أن يعفى عنه؛ فيخرج من النار؛ وقد اسود؛ فينغمس في نهر الحياة؛ ثم يعود له أمر عظيم من الحال والنضارة؛ ثم يدخل الجنة؛ ويعطى ما أعد له بسابق إيمانه؛ وما قدمه من العمل الصالح؛ وإن شاء عفا عنه ابتداء؛ فسامحه وأرضى عنه خصماءه؛ ثم يدخله الجنة مع الناجين؛ وقول الخوارج: مرتكب الكبيرة كافر؛ وقول المعتزلة: مخلد في النار حتما؛ ولا يجوز العفو عنه؛ كما لا يجوز عقاب المطيع؛ من تقولهم وافترائهم على الله - تعالى الله عما يقول الظالمون -؛ و" البشارة" : الخبر السار الذي يظهر بأوله أثر السرور على البشرة؛ ذكره القاضي؛ وقال الراغب : الخبر بما يسر؛ فتنبسط بشرة الوجه؛ وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجر؛ و" الصدق" : الإخبار المطابق؛ وقيل: مع اعتقاد المخبر أنه كذلك؛ عن دلالة؛ أو أمارة؛ واقتصر على أحد الركنين لأنهم كانوا عبدة أوثان؛ فقصد به نفي ألوهية ما سواه (تعالى)؛ مع اشتهاره عندهم بأنه رسول الله؛ واستبانته منهم الإيمان بشهادة قدوم كبرائهم عليه مؤمنين. [ ص: 78 ] (حم طب؛ عن أبي موسى) ؛ الأشعري ؛ قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعي نفر من قومي؛ فقال: " أبشروا..." ؛ إلى آخره؛ فخرجنا من عنده نبشر الناس؛ فاستقبلنا عمر فرجع بنا إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: يا رسول الله؛ إذن يتكلوا؛ فسكت؛ قال الهيتمي: رجاله ثقات؛ وله طرق كثيرة؛ انتهى؛ ولذلك رمز المؤلف لصحته هنا؛ وقال في الأصل: صحيح.



الخدمات العلمية