الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 91 ] ( ويسجد للسهو ولو مع سلامه ) ناويا ( للقطع ) لأن نية تغيير المشروع لغو ( ما لم يتحول عن القبلة أو يتكلم ) لبطلان التحريمة ، ولو نسي السهو أو سجدة صلبية أو تلاوية يلزمه ذلك ما دام في المسجد . ( سلم مصلي الظهر ) مثلا ( على ) رأس ( الركعتين توهما ) إتمامها ( أتمها ) أربعا ( وسجد للسهو ) لأن السلام [ ص: 92 ] ساهيا لا يبطل لأنه دعاء من وجه ( بخلاف ما لو سلم على ظن ) أن فرض الظهر ركعتان ، بأن ظن ( أنه مسافر أو أنها الجمعة أو كان قريب عهد بالإسلام فظن أن فرض الظهر ركعتان أو كان في صلاة العشاء فظن أنها التراويح فسلم ) أو سلم ذاكرا أن عليه ركنا حيث تبطل لأنه سلام عمد . وقيل لا تبطل حتى يقصد به خطاب آدمي ( والسهو في صلاة العيد والجمعة والمكتوبة والتطوع سواء ) والمختار عند المتأخرين عدمه في الأوليين لدفع الفتنة كما في جمعة البحر ، وأقره المصنف ، وبه جزم في الدرر .

التالي السابق


( قوله ويسجد للسهو ولو مع سلامه للقطع ) أي قطع الصلاة ، وعدم العود إليها بالسجود ، قيد بالسهو لأنه لو سلم ذاكرا أن عليه سجدة تلاوة أو قراءة التشهد الأخير سقطت عنه لأن سلامه عمد فيخرجه من الصلاة . ولا تفسد صلاته لأنه لم يبق عليه ركن من أركان الصلاة بل تكون ناقصة لترك الواجب ، وكذا لو سلم وعليه تلاوية وسهوية ذاكرا لهما أو للتلاوية سقطتا إلا إذا تذكر أنه لم يتشهد ; ولو سلم وعليه صلبية فقط أو صلبية وسهوية ذاكرا لهما أو للصلبية فقط فسدت صلاته ; ولو عليه تلاوية أيضا فسلم ذاكرا لها أو للصلبية فسدت أيضا ، وهذا في الصلبية ظاهر لأنها ركن .

وأما في التلاوية فمقتضى ما مر أنها لا تفسد وهو رواية أصحاب الإملاء عن أبي يوسف لأن سلامه في حق الركن سلام سهو ، وفي حق الواجب سلام عمد ، وكلاهما لا يوجب فساد الصلاة ، لكن ظاهر الرواية أنها تفسد لأن سلام السهو لا يخرج ، وسلام العمد يخرج ، فترجح جانب الخروج احتياطا . وما أحسن قول محمد فسدت في الوجهين : أي في تذكر التلاوية أو الصلبية لأنه لا يستطيع أن يقضي التي كان ذاكرا لها بعد التسليم ، وإذا جعل عليه قضاء التي كان ناسيا لها وجب أن يقضي التي كان ذاكرا لها ، وتمام ذلك في الفتح والبدائع .

( قوله لبطلان التحريمة ) أي بالتحول أو التكلم ، وقيل لا يقطع بالتحول ما لم يتكلم أو يخرج من المسجد كما في الدرر عن النهاية إمداد .

( قوله ولو نسي السهو إلخ ) أو في كلامه مانعة الخلو فيصدق بسبع صور ; وهي ما لو كان عليه سهوية فقط ، أو صلبية فقط أو تلاوية فقط ، أو كان عليه الثلاثة أو اثنتان منها : أي صلبية مع تلاوية أو سهوية مع إحداهما ، ففي هذه كلها إذا سلم ناسيا لما عليه كله أو لما سوى السهوية لا يعد سلامه قاطعا ، فإذا تذكر يلزمه ذلك الذي تذكره ويرتب بين السجدات ، حتى لو كان عليه تلاوية وصلبية يقضيهما مرتبا ، وهذا يفيد وجوب النية في المقضي من السجدات كما ذكره في الفتح ، ثم يتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو . وقيدنا بقولنا أو لما سوى السهوية لأنه لو سلم ذاكرا لها ناسيا لغيرها يلزمه أيضا لأن السلام مع تذكر سجود السهو لا يقطع ; بخلاف تذكر غيرها فإنه يقطع على التفصيل المار قبل ذلك فافهم .

( قوله ما دام في المسجد ) أي وإن تحول عن القبلة استحسانا لأن المسجد كله في حكم مكان واحد ولذا صح الاقتداء فيه وإن كان بينهما فرجة . وأما إذا كان في الصحراء فإن تذكر قبل أن يجاوز الصفوف من خلفه أو يمينه أو يساره عاد إلى قضاء ما عليه لأن ذلك الموضع ملحق بالمسجد ، وإن مشى أمامه فالأصح اعتبار موضع سجوده أو سترته إن كان له سترة بين يديه كما في البدائع والفتح .

[ تنبيه ] قال هنا ما دام في المسجد وفيما قبله ما لم يتحول عن القبلة ، ولعل وجه الفرق أن السلام هنا لما كان سهوا لم يجعل مجرد الانحراف عن القبلة مانعا ; ولما كان فيما قبله عمدا جعل مانعا على أحد القولين ، وهو ما مشى عليه المصنف لما في البدائع من أن السجود لا يسقط بالسلام ولو عمدا إلا إذا فعل فعلا يمنعه من البناء بأن تكلم أو قهقه أو أحدث عمدا أو خرج من المسجد أو صرف وجهه عن القبلة وهو ذاكر له لأنه فات محله وهو تحريمة الصلاة فسقط ضرورة فوات محله ا هـ تأمل .

( قوله توهما ) أي ذا توهم أو متوهما ( قوله أتمها أربعا ) إلا إذا سلم قائما في غير جنازة كما قدمه [ ص: 92 ] في مفسدات الصلاة لأن القيام في غير الجنازة ليس مظنة للسلام فلا يغتفر السهو فيه .

( قوله لأنه دعاء من وجه ) أي فلذا خالف الكلام حيث كان مبطلا ولو ساهيا .

( قوله لأنه سلام عمد ) استشكل العلامة المقدسي الفرق بينه وبين ما قبله فإنه عمد أيضا . قلت : وذكر في شرح المنية الفرق بأنه في الأول سلم على ظن إتمام الأربع فيكون سلامه سهوا ، وهنا سلم عالما بأنه صلى ركعتين فوقع سلامه عمدا فيكون قاطعا فلا يبني . ا هـ . وفي التتارخانية أن السهو إن وقع في أصل الصلاة أوجب فسادها ، وإن في وصفها فلا ،

فالأول كما إذا سلم على الركعتين على ظن أنه في الفجر أو الجمعة أو السفر ،

والثاني كما إذا سلم عليهما على ظن أنها رابعة ا هـ أي لأن العدد بمنزلة الوصف .

والحاصل أنه إذا ظن أنها الفجر مثلا يكون قاصدا لإيقاع السلام على رأس الركعتين فيكون متعمدا للخروج قبل إتمام الصلاة التي شرع فيها ، بخلاف ما إذا سلم على ظن الإتمام فإنه لم يتعمد إلا إيقاعه بعد الأربع ، فوقع قبلها سهوا ; وبالجملة فالسلام من حيث ذاته عمد فيهما ، ومن حيث محله مختلف فتدبر .

( قوله وقيل لا تبطل إلخ ) ذكره في البحر بحثا أخذا مما في المجتبى : لو سلم المصلي عمدا قبل التمام ، قيل تفسد ، وقيل لا حتى يقصد به خطاب آدمي ا هـ فقال في البحر : فينبغي أن لا تفسد في هذه المسائل على القول الثاني ا هـ ومثله في النهر . قال الشيخ إسماعيل وهو ظاهر ، والأول المجزوم به في كتب عديدة معتمدة . ا هـ . ( قوله عدمه في الأوليين ) الظاهر أن الجمع الكثير فيما سواهما كذلك كما بحثه بعضهم ط وكذا بحثه الرحمتي ، وقال خصوصا في زماننا . وفي جمعة حاشية أبي السعود عن العزمية أنه ليس المراد عدم جوازه ، بل الأولى تركه لئلا يقع الناس في فتنة . ا هـ .

( قوله وبه جزم في الدرر ) لكنه قيده محشيها الواني بما إذا حضر جمع كثير ، وإلا فلا داعي إلى الترك ط




الخدمات العلمية